هاملتون، ألكساندر

سيرته الذاتية:

ولد هاملتون، ألكساندر أبنًا غير شرعي لراشيل فاوسيت وجيمس هاملتون، في مدينة هندية صغيرة في جزيرة نيفيس في يناير 1755م.

وفي عام 1772م، بعد أربع سنوات من وفاة والدته، أرسل هاملتون من قبل نيكولاس كروجر (الرجل الذي عين هاملتون ليعمل معه ككاتب) إلى نيويورك، والتي كانت المدينة الثالثة من حيث الكبر في المستعمرات.

وعند انتظامه في التعليم النظامي، كان من الواضح بالنسبة لمعلميه أن هاملتون طالب يتمتع بنضج مبكر. وبعد أقل من عام استطاع تعلم وإتقان اللاتينية والإغريقية والفرنسية والرياضيات بنسب مكنته من التأهل للقبول في الكلية.

وقد اكتسب أيضًا مقدرة خاصة جعلته يستطيع كسب احترام وتشجيع رعاة الكنيسة المؤثرين، واستمر ذلك طوال حياته.

التحق هاملتون بكلية الملك في مدينة نيويورك، حيث اطلع على مؤلفات هوب لوك ومونتسكيو وهوم وبلوتارش …إلخ. ولم تكن مبادئه السياسية وفلسفته موجودة في أي كاتب آخر، حيث استطاع أن ينمي فلسفة سياسية كانت تجربة مبنية على قراءات متعددة، ونصح أبوي، وعلى تأثير الأصدقاء، وأفكار وخبرات شخصية، وربما على فرص  (Cook, 1982).

كان هاملتون تواقًا للاشتراك في جهود ثورية، ومن خلال المثابرة وإظهار قدراته عينه الجنرال جورج واشنطون – الذي أصبح فيما بعد أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية – ضابطًا معاونًا له في مارس 1777م. وعلى الرغم من أن العمل كان عظيمًا لسكرتير، فقد استخدم هاملتون المنصب ليكون لنفسه سمعة جديرة بالملاحظة. وبوصفه كان على اتصال يومي مع الجنرال المشرف للجيش القاري، فقد أصبح خلال فترة قصيرة بمثابة المتمم للجنرال واشنطون بشكل كبير. كانت هذه العلاقة بين مهاجر من الهند الغربية يبلغ من العمر 22 عامًا وينتمي لخلفية غامضة مع رجل يبلغ من العمر 45 عامًا ومواطن أصيل من فيرجينيا له خلفية اجتماعية خالية من العيوب، وأصبح واحدًا من أكثر الرجال المبدعين في كل التاريخ الأمريكي.

وعلى الرغم من أن واشنطون كان له 32 معاوناً، ولكنه كان يعتبر هاملتون الأكثر ذكاء، فقد أصبح كاتبًا بليغًا، وصاغ بالنيابة عن واشنطون العديد من الخطابات التي جلبت له السمعة كمترجم بارع لأفكار الجنرال.

وكان التباين بين الاثنين مذهلاً للدرجة التي كان يتصف بها هاملتون بأنه كان طموحًا وقليل الصبر وكثيرًا ما كان يتسم بالطيش، بينما كان يتصف واشنطون بالصبر، وكان رابط الجأش في مواجهة أية ضغوط.

ووصلت شخصيتاهما المتباينتان إلى نقطة حرجة عندما طلب واشنطون من هاملتون في عام 1871م أن يساعده في أمر ما بصورة عاجلة. وفي طريقه إلي واشنطون قابل هاملتون المركيز دي لافييت وتجاذب معه أطراف الحديث قليلاً، الأمر الذي جعله يصل متأخرًا لمقابلة واشنطون الذي كان في غاية الغضب، فقال له معاتبًا: “أيها الكولونيل هاملتون، لقد جعلتني انتظرك لفترة عشر دقائق واقفًا على السلم، يجب أن أخبرك أنك بذلك تعاملني بعدم احترام”. ورد عليه هاملتون قائلاً: “لم أفطن إلى ذلك يا سيدي، لكنك ما دمت تعتقد عني ذلك فيجب أن نفترق”. وعلى الرغم من أن واشنطون الذي يتسم بالصبر قدم اعتذاره إلى هاملتون بعد فترة وجيزة من تلك الحادثة، لكن هاملتون أصر على استقالته من منصبه كضابط معاون.

ولعبت هذه الحساسية المفرطة والعناد دورًا مهمًا في حياة هاملتون المستقبلية السياسية، ولعبت في النهاية دورًا كبيرًا في موته.

وأثناء الفترة التي قضاها في العمل مع واشنطون، تزوج هاملتون من اليزابيث سجيلر ابنة الجنرال فيليب سجيلر من نيويورك. كان الجنرال سجيلر رجل دولة وأحد ملاك الأراضي، وكان يتمتع بصلات تشمل كل الطبقة الأرستقراطية في ولاية نيويورك.

مساهماته:

أصبح هاملتون في الفترة من 1782م إلى 1788م نشطًا جدًا في المجال السياسي، على صعيد الولاية (نيويورك) وعلى الصعيد القومي معاً. وعمل مفوضًا من نيويورك في الكونجرس، ثم أصبح مشرعًا، وعين في عام 1787م أمين صندوق الضرائب للولاية.

كما أصبح مؤيدًا قويًا للدستور الأمريكي. وشكلت ولايته نيويورك حجر عثرة في عملية التصديق. لذلك شكل هاملتون وجيمس ماديسون تعاونًا ثقافيًا، وقد اعتبر ذلك أكبر تعاون بناء في التاريخ  السياسي  الأمريكي. وكان كتاب الفيدرالي The Federalist الذي يتكون من خمس وثمانين مقالة (كتب أربع منها شخص آخر هو جون جي) ثمرة لهذا التعاون. وصيغت هذه المقالات لضمان قبول الحكومة الجديدة من قبل سكان نيويورك.

ويرجع الفضل إلى حد كبير في مصادقة نيويورك على الدستور القومي دون إضافة تعديلات – والتي كان يمكن أن تهدد قابليته للتطبيق بشكل خطير – إلى مقالات هاملتون.

وعلى الرغم من تخلي هاملتون عن الجنرال واشنطون، فقد استمر في الاتصال رسميًا بالرجل المشهور. وقد كرر هاملتون في رسائله ما كتبه في كتاب الفيدرالي، والذي مفاده أن الحكومة الوطنية يجب أن تكون نقطة تركيز القوة وأن الخطوة الحقيقية في الحكومة تتركز حول الفرع التنفيذي القوي. ودافع أيضًا عن عملية التخطيط ليتم تطبيقها للقيام بأعباء المسئوليات الحكومية.

وكانت هذه الرسائل المتبادلة بمثابة الشهادة لشكل حكومة الجمهورية الأمريكية، لأنه في أي مكان آخر (في ذلك الوقت) هل كان يستطع وزير سابق (والذي كان ابنًا غير شرعي) أن يبدأ بأن يصف للأمة القوانين الشخصية الشهيرة الأكثر بروزًا للإتيكيت لمستقبل رئيس الفرع التنفيذي للحكومة؟

وأصبح هاملتون في عام 1789م أول وزير للخزانة واتحد مرة أخرى مع الجنرال واشنطون في الثورة الأمريكية المتواصلة. وجادل هاملتون شفهيًا وعن طريق الكتابة لإحداث نقلة في التوازن الفيدرالي، بعيدًا عن سيطرة الولاية نحو إدارة مركزية. والآن بعد توليه منصب وزير الخزانة أصبح لديه فرصة لتفعيل ما جادل بشأنه بشكل نشط.

كان هاملتون يؤمن أنه من المهم بالنسبة لهذه الدولة الفتية أن تدفع ديونها الحربية من خلال حكومتها المركزية. ومن أجل القيام بذلك، فقد شعر بأنه يتوجب على الاتحاد الفيدرالي أن يتولى ديون الولايات وضمها مع الديون الوطنية والخارجية وجمع الضرائب وإنفاقها حتى يتم تسديد كل الديون.

ووضع نظامًا للجمارك وفرض جمع رسوم ضريبية ساعدت جزئيًا في تمويل أول بنك للولايات المتحدة، وهي مؤسسة شبه خاصة تم تأسيسها بموجب دستور فيدرالي. وعمل هذا البنك على الانتفاع من أموال القروض الخارجية والاستثمار الخاص، بالإضافة إلى فرض الضرائب كأساس لإقامة كل مكونات خطته والتي خلقت سياسة قومية موحدة. ومرة أخرى طبق هاملتون بشكل عملي ما اعتقده بأن الحكومة يجب أن يكون لديها عملية تخطيط موحدة.

ووفقًا لهاملتون فإن صياغة هذه السياسة الموحدة وعملية التخطيط لها يجب أن يقوم بهما الموظف القومي. وقد نادى بأنه يجب على الإدارة التنفيذية الفرع في الحكومة أن تكون أكثر من مجرد كاتب حسابات أو محاسب، ولم يفهم أن الحكومة التي تحكم أفضل حكومة. إن مشاعر هاملتون القوية التي تتعلق بدور الحكومة الفيدرالية بوصفها السلطة المركزية في هذا البلد جعلته شخصية مثيرة للجدل.

وفي كثير من المواقف فإن هاملتون كان ضحية للصحافة المغرضة كما جاء في العديد من كتب التاريخ. وكانت سمعته كشخص يساعد الأغنياء لتأسيس القوة المالية للاتحاد الفيدرالي. وهو في الواقع قد استطاع تشجيع الطبقة الغنية وتشجيع عملية تفكير واسعة عبر بنك الولايات المتحدة. لكن كتاباته أظهرت أنه يتمتع باعتقاد قوي وتفاؤلي التقت فيه المصالح العامة للشعب عندما أنشأت الحكومة المركزية وزارة مالية قادرة على سداد جميع الديون.

كان هاملتون يوصف دائمًا بأنه أرستقراطي أمريكي رجعي محافظ، وفي الواقع فهو ظاهر التناقض. وقد كان مجاهرًا بإعجابه بالمؤسسات الإنجليزية والدستور الإنجليزي غير المكتوب، لكنه في الوقت نفسه كان يناضل من أجل تأكيد نجاح الجمهورية الأمريكية. وقد كان عدوًا للراديكالية، وعلاوة على ذلك فقد صاغ برنامجًا ماليًا (عندما كان يعمل وزيرًا للمالية) والذي اعتبر راديكالياً.

وكان يؤمن بأنه ينبغي على الحكومة الفيدرالية توفير العون المباشر للمنتجات الصناعية والتنبؤ بالأنشطة المستقبلية الخاصة بلجنة التجارة الفيدرالية، عن طريق مناداته المنتظمة بالتفتيش لمنع الاحتيال على المستهلكين في الداخل والمصدرين من الدول الأخرى.

ولإبطال الدعاوى القائلة بأنه مهتم بتشجيع الصناعة وتقديم الإعانات لها وتجاهل الزراعة بل نبذ المزارعين، أيد هاملتون أن تكون الزراعة “أداة للرعاية والاهتمام الشعبي”.

كما أيد دفع الفوائد المباشرة من وزارة المالية الفيدرالية لتشجيع إنتاج الصوف والكتان وخيوط القنب. وتنبأ أيضًا بسياسة شعبية لحماية الموارد الطبيعية من خلال الإشارة إلى أهمية تطوير الثروة المعدنية بطريقة مدروسة ومخططة.

ومن خلال طبيعته التي تتسم بالمواجهة ونضاله المتواصل من أجل تكوين حكومة فيدرالية قوية، استطاع هاملتون خلق مذهب أيدلوجي قوي في التفكير السياسي في زمنه.

كان كل من توماس جيفرسون وجيمس مونرو وجون أدامز وأخيرًا أرون بور من الخصوم السياسيين لفترة طويلة من الزمن بالنسبة لهاملتون. وحدث انشقاق في الأحزاب السياسية في هذا البلد عندما انقسم كل من جيفرسون وهاملتون إلى معسكرين مختلفين حيث تجادلا في الدور الذي يجب أن تلعبه الحكومة المركزية.

مسرد لأهم أعماله:

Hamilton, Alexander, Madison, James, and John, Jay. The Federalist Papers, Mentor Book. New American Library, 1961.

المراجع:

  • Caldwell, Layton K., Alexander Hamilton: Advocate of Executive Leadership in Fesler, James, W. American Public Administration: Patterns of the Past, American Society for Public Administration, Washington, D. C., 1982.
  • Cooke Jacob E., Alexander Hamilton, Charles Scribner’s Sons, New York, 1982.
  • Hicks, John D., The Federal Union, Houghton Mifflin Co., Cambridge, Massachusetts, 1957.
  • MacDonald, Forrest, Alexander Hamilton, W. W. Norton & Co., New York, 1979.
  • Mitchell, Broadus, Alexander Hamilton, A Concise Biography, Oxford Univ. Press, New York, 1976.
  • Syrett, Harold C. et. al eds., Papers of Alexander Hamilton 26 Volumes, New York, 1961-19

المصدر:

د. إبراهيم علي ملحم (2008)، علماء الإدارة وروادها في العالم: سير ذاتية وإسهامات علمية وعملية، (القاهرة: المنظمة العربية للتنمية الإدارية).

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »