قد نقرأ أو نشاهد في بعض وسائل الإعلام تحديد عمر النفط في بعض الدول المنتجة له بطريقة غير دقيقة وغير علمية، فلا يمكن قياس عمر النفط في دولة ما بقسمة كمية الاحتياطي المؤكد من النفط على كمية الإنتاج اليومي منه. الجدير بالتنويه أن عمر النفط ليس ثابتا، بل متغير في أي دولة من الدول المنتجة له، وأن أحد أهم الأسباب التي تجعله كذلك هو وجود الاحتياطي غير المؤكد من النفط الذي يمكن تأكيده أو جزء منه على أقل تقدير.
لعل من المفيد تسليط الضوء على آلية التأكد من وجود النفط والانتقال من مرحلة الاحتياطي غير المؤكد إلى مرحلة الاحتياطي المؤكد، ولعل من المهم توضيح الفرق بينهما وتعريفهما بصورة موجزة. التنقيب هو أول مرحلة من مراحل صناعة النفط، وتسمى صناعة المنبع التي يليها الصناعة الوسيطة ومن صناعة النصب، ولهذه المرحلة وأعني هنا مرحلة التنقيب طرق عديدة وتقنيات مختلفة تتفاوت في دقتها وتكلفتها والحاجة إليها. هناك تصور خاطئ لدى البعض أن حفر بئر النفط لا يتم إلا عقب اتخاذ القرار النهائي بوجود النفط في هذا المكمن أو ذلك بناء على الدراسة التي تمت عليه والتي أثبتت وجود النفط، وأن كميته ذات جدوى اقتصادية. التصور السابق هو غير صحيح بطبيعة الحال.
وعليه، سأتطرق في هذا المقال بإيجاز إلى المراحل الرئيسة لتحديد عمر النفط بعيدا عن التعقيدات الهندسية والفنية. تبدأ أولى مراحل التنقيب والاستكشاف بدراسة جيولوجية لسطح الأرض في المناطق المحددة للتنقيب، والغرض من هذه الدراسة الأولية هو البحث عن مؤشرات جيولوجية أولية تدل على وجود صخور قديمة التكوين وانكسارات صخرية في باطن الأرض أدت إلى تكون مصائد نفطية في باطن الأرض حبست النفط ومنعته من التسرب أفقيا وعموديا. لذلك فإن الأراضي المسطحة غير جاذبة غالبا للجيولوجيين وغير مبشرة بوجود مصائد نفطية، وفي حال وجد الجيولوجيون مؤشرات مبدئية إيجابية عن وجود مصائد نفطية في باطن الأرض، يبدأ استخدام التقنيات المتطورة لمعرفة طبيعة وأنواع الصخور للوصول إلى مؤشرات أقوى بوجود النفط في مكامنه بباطن الأرض. من هذه التقنيات – على سبيل المثال لا الحصر – الاستشعار من بعد بوساطة الأقمار الاصطناعية “الموجات الكهرومغناطيسية والرادارية”، وتستخدم لدراسة القشرة الأرضية وتضاريس سطحها، وكذلك استخدام المسح المغناطيسي الذي يحدد نوع الطبقات الضاربة في العمق التي تتشكل تحت الطبقات المتوقع احتضانها للمصائد النفطية. أضف إلى ذلك استخدام تقنية السايزمك “الموجات الصوتية” لدراسة الطبقات التي يحتمل وجود مكامن النفط فيها. كل العمليات السابقة رغم ارتفاع دقتها إلا أنها لا تؤكد وجود النفط بشكل قاطع، بل إن الغرض منها البحث عن المؤشرات والمواصفات الفيزيائية والكيماوية للصخور والطبقات التي قد تؤول إلى وجود النفط واحتباسه في مصائد نفطية بباطن الأرض. لذلك فإن حفر بئر تجريبية هي الطريقة الوحيدة للتأكد من وجود النفط أو عدمه، ولمعرفة جدوى الكمية الموجودة اقتصاديا.
إذا وجد أن البئر غير منتجة أصلا أو غير مجدية اقتصاديا بعد حساب كمية النفط الموجود في ذلك المكمن، يتم جمع أكبر كم من المعلومات عن سبب عدم جدوى البئر ثم إقفالها. يتم تكرار الخطوات السابقة في مواقع أخرى تم رصد مؤشرات أولية بوجود النفط فيها، حتى يتم التأكد من وجود النفط وجدواه، فتبدأ مراحل صناعة النفط الأخرى من الحفر حتى الإنتاج.
م. عبدالرحمن النمري 11 أبريل 2022