في رأي بدا نشازاً، قالت جمعية النزاهة الوطنية، وهي مؤسسة مجتمع مدني مشهرة حديثا: إن مؤشر مدركات الفساد مشكوك في دقته. مدللة على ذلك بتقدم الكويت في مؤشرات دولية أخرى مستخدمة في تركيب مؤشر المدركات، مثل مؤشر التنافسية ومؤشر برتلسمان، فضلا عن التطويع المتعسّف في معيار استحدثته منظمة الشفافية الدولية ضمن مؤشر المدركات 2019، وهو المتعلّق بالديموقراطية. وقد وعدت الجمعية بإجراء دراسة تفصيلية للمؤشر والتواصل مع المنظمة لطلب بعض الإيضاحات والإعلان عن نتائج جهودها بموضوعية. ومن المهم أن نسلّم ابتداء بأهمية هذه المؤشرات في قياس الفساد ورصد جهود مكافحته وأن نعرف أن المستثمرين عموما يعوّلون عليها إلى حد ليس بالقليل في التعرّف على أجواء الاستثمار في بلد ما. وتتعدد المؤشرات؛ فمنها ما يجمع آراء الأطراف ذات الصلة، من خلال المسوحات، في حال مؤشر مدركات الفساد، ومنها ما يتتبع السمات المؤسسة في الدول للتعرف على دوافع الفساد وفرص حدوثه، ومنها ما يلجأ إلى المراجعة الدقيقة لمشاريع محددة في دولة ما للتعرف على الفساد المشكوك في وقوعه. أما النقد الموجه لمؤشر مدركات الفساد وغيره، فهو ليس جديدا، حيث يتكرر الحديث عن تأثره بالأعراف الاجتماعية، والخلط بين الفساد وعدم الكفاءة والهدر، وصعوبة التدليل الدقيق على الترجمة العملية للإصلاحات المعلنة. وما إلى ذلك من أوجه نقد أخرى. ومن المسلم به أن ملفات الفساد هي واحدة من أهم المسوغات التي ينتفض لها الشارع فهل للمنظمة دور مخطط له سلفا في مغامرات الربيع الغامضة التي ما انفكت تجتاح منطقتنا المنكوبة، وهل يتم الجنوح بنتائج المؤشر لتخدم هذا الغرض في الدول المستهدفة، وهل سيظهر يوما جون بيركنز* آخر ليحدثنا عن الاغتيال السياسي للدول. لا سيما أن المنظمة لا تخفي تأييدها لكل ما حدث ويحدث مباشرة وعبر كوادرها ومستشاريها، ويمكن العثور على التصريحات والمواقف في موقعها الإلكتروني؟ نشكر جمعية النزاهة التي نبّهت لذلك خروجا عن السياق العام، وننتظر منها تفصيلا أكثر اذا ما نجحت في الوصول الى تفسير قد لا يحسم الأمر تماما، ولكنه سيكون مدعاة لتمحيص أدق وتناولا أكثر عمقا لأبعاد هذا المؤشر ومثيلاته وقنوات توظيفها. وضبط حدود الاستفادة منها بعيدا عن الهالة الدعائية الضخمة التي تصاحبها.
* جون بيركنز هو صاحب كتاب الاغتيال الاقتصادي للأمم، الذي تحدث فيه عن إغراق المنظمات الدولية للدول التي تقدم لها المساعدات في ديون لا قبل لها بها، وبشكل متعمّد لمصلحة الشركات الكبرى.
عبدالحميد علي عبدالمنعم – كاتب
القبس الإلكتروني – السبت 8 فبراير 2020