تقاس قدرة الفرد على العمل والإنتاج بالكثير من العوامل، فعلى الرغم من أن الكثير من الأشخاص يعتبرون الكفاءة والمهارات الشخصية هما الأساس في إنتاج الشخص وأدائه لمهامه الوظيفية على أكمل وجه، لكن الواقع أن جميعنا نغفل عن أمر هام للغاية وهو بيئة العمل نفسها ومدى مناسبتها لممارسة العمل من خلالها، وتشجيعها للفرد للإبداع فيها.
وتعتمد بيئة العمل المناسبة على مجموعة من المكونات الرئيسية التي تساعد العامل على أداء الوظيفة على أكمل وجه، وتنقسم هذه العوامل إلى عوامل مادية وعوامل نفسية، وأخرى مهنية. وتتمحور المكونات المادية حول: الدخل المناسب، البدلات، الحوافز، الإضافات، الزيادات السنوية…وخلافه، أما النفسية فتتمثل في: تفاعلات الموظفين مع بعضهم البعض وعلاقتهم برؤساء العمل، الاهتمام بأحوال الموظفين الصحية والشخصية، وبالنسبة للمكونات المهنية فهي ما يتعلق بإدارة العمل الحكيمة، والأدوات الحديثة المستخدمة في ذلك ووجود روح من التنافس والتعاون المهني.
من هنا تبرز أهمية بيئة العمل الصحية المحفزة على النجاح، وكذلك تبرز أهمية الترفيه في العموم بالنسبة للإنسان، والذي هو بمثابة الفاصل الشيق الذي تسترخي به الأعصاب متخلصة ولو بشكل مؤقت من ضغوطها، وعبر هذا التخلص تستعيد قليلا من قدراتها على التحمل، ومن ثم تعود إلى سياق عملها وهي في أتم ما يكون من جودة وحال.
ولا توجد بيئة العمل المحفزة أو المثالية بنموذج أو قالب واحد، بل تختلف طبيعتها باختلاف نوعية العمل، فبيئة العمل المحفزة تختلف في أساسيتها بالنسبة للعمل الإداري عن الميداني أو الإبداعي وهكذا.
ومع وجود تلك المكونات المؤثرة في البيئة المحفزة للعمل إلا أن أغلب العلماء والباحثين يرون أن المكونات والعوامل الأهم والأكثر تأثيرا على أداء الموظف هي العوامل النفسية، فلا يمكن لأي موظف أن يتمكن من ممارسة عمله بطريقة سليمة وهو يعاني من مشكلات وضغوطات نفسية سواء المتعلقة بالعمل كمشاكل مع بعض الزملاء أو حتى مشاكله النفسية المتعلقة بحياته الخاصة.
ولعل هذا الأمر هو ما يدفع الشركات والمؤسسات للاهتمام بحالة موظفيها النفسية، وكذلك التحرر من أنماط العمل التقليدي، حيث نرى بيئات عمل جديدة كليا، كل ما تستهدفه هو بناء مناخ عام مرح ومرن يستوعب حاجة الإنسان إلى التفاعل الاجتماعي والراحة وممارسة مهامه عبر تنسيق معين يناسبه.
إبراهيم باحاذق – كاتب صحفي
جريدة اليوم – 28 فبراير 2019