المدير والإيجابيات الثلاث

هل عانيت يوماً من مدير ظلمك في تقييم أدائك؟ هل واجهت يوماً مديراً تجاهل كل منجزاتك وراح ينتقد أخطاء صغيرة في عملك ويهول من حجمها؟ يقول أبو الإدارة بيتر دراكر: “لا ينبغي أن يوضع في منصب إداري ذلك الذي يتجاهل نقاط القوة ولا يرى إلا مواطن الضعف لدى الآخرين”.‬ مقالة اليوم تتحدث عن المديرين وتقييم أداء الموظفين..

قبل سنوات في اليابان عندما كنت أعمل في إحدى الشركات، وكان لدي مدير مخضرم إلا أنه كان يستمع كثيراً للوشاة. وبسبب تكالب هذه الوشايات فقد كنت أواجه تحديات كبيرة في إزالة غشاوات الشك والريب والسخط من عيون مديري الذي فقد للأسف الشديد الحيادية والنظرة المنصفة في تقييم أدائي ومشروعاتي حيث كان يخشى على منصبه. هذا الأمر سبب لي حينها ضغطاً نفسياً عنيفاً ومعاناة كبيرة اضطررت معها للانتقال لوظيفة جديدة أفضل ولله الحمد. ولكن وبعد تلك التجربة القاسية قطعت على نفسي عهداً ألا أسمح للوشايات أن تتغلغل في عملي الإداري وألا أظلم أحداً في تقييم عمله وأدائه لأني لا أرضى لأحد أن يمر بتلك المعاناة وذلك الألم.

في الواقع، لا يبدو أن ذلك المدير كان استثناء للأسف مقارنة بحال الكثير من المديرين. وتروي الخبيرة بيرجيت هياسينث في كتابها (قيادة الموارد البشرية للمستقبل) عن تجربتها مع عدد كبير من القياديين والذين اعتادت أن تطرح عليهم هذا السؤال: “اذكر ثلاثة أشياء قام موظفوك بعملها بشكل جيد وثلاثة أشياء كانوا بحاجة إلى تحسينها ومعالجتها”. وتذكر بريجيت أن معظم المديرين لا يجدون أي صعوبة في تعداد السلبيات والمشاكل لدى موظفيهم بينما يعانون الأمرين في سبيل ذكر ثلاث إيجابيات فقط…

ودون شك فإنه شعور محبط للغاية لأي موظف أن لا يرى مديره سوى سلبياته وأخطائه ويتناسى تماماً كل أعماله وإنجازاته وتفانيه. ولا أحد يختلف في أنه لابد من معالجة الأخطاء وتحسين الأداء وتقويمه. بيد أنه لا يوجد إنسان يستطيع العمل بإنتاجية عالية وروح متحمسة وولاء كبير إذا كان لا يواجه سوى النقد والهجوم المشخصن والذي لا يقوم على معايير سليمة وأسس عادلة.

الأمر يحتاج لموازنة بين النقد البناء والإشادة بالنقاط الإيجابية وتعزيزها والتي ستقود لنتائج أفضل وإبداع وإنتاجية في العمل. وفي نفس الوقت فوجود معايير قائمة على الأرقام وبيانات الإنجاز والآراء المتعددة من شأنه أن يسهم في إيجاد تقييم عادل بعيداً عن التقييم القائم على رأي شخص واحد فقط كنظام تقييم الـ360 درجة على سبيل المثال.

وباختصار، يستطيع مدير فاشل أن يهدم منظومة ناجحة بكل ما فيها إذا اعتمد على المزاجية والوشايات في التعامل مع الموظفين وتقييمهم. وبالعكس فمدير ناجح يستطيع أن ينتشل المنظومة ومنتسبيها من قيعان اليأس إلى قمم الأمل ببناء البيئة المحفزة واعتماد ثقافة النقد البناء وتعزيز الإيجابيات. ‬

د. م. عصام بخاري

جريدة الرياض – 10 يوليو 2020

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

القائد والقيادة ونجاح الأعمال

تعد القيادة الأساس في نجاح واستدامة جميع الأعمال المؤسسية الربحية وغير الربحية. القائد الناجح يفوض السلطة وينمي اتخاذ القرارات في الموظفين بشرط أن يكونوا على

تفاصيل »

في زمن تتحول فيه الأفكار إلى ثروات، والعقول إلى سلع يتم تداولها في بورصات خفية… فمن سيكون السيد الجديد لعصر الاقتصاد المعرفي؟

الاقتصاد المعرفي.. حين تصبح العقول هي الثروة الجديدة: نعيش اليوم فيما يعرف بـ «عالم الاقتصاد المعرفي»، عالم تتسارع فيه الخطى وتنقلب فيه الموازين حتى بات

تفاصيل »

النجاة في عالم إداري سريع التغير

في بيئة إدارية تتغير بسرعة غير مسبوقة، لم يعد البقاء مرهوناً بالكفاءة التقليدية وحدها، بل بقدرة المؤسسات وقادتها على التكيف السريع والابتكار المستمر، ويشهد العالم

تفاصيل »