كيف اثرت جائحة كورونا على سلاسل التوريد العالمية؟

افترضوا أننا عند نقطة ما حصلنا على مصل أو مناعة القطيع، وعدنا إلى حياتنا الطبيعية بعد عام من الآن، يكمن التساؤل في هل سنعود إلى العولمة كما كنا من قبل أم سنبدأ في جلب سلاسل التوريد إلى الوطن؟ نادرا ما تفلح محاولات إصلاح النظام التجاري العالمي من أعلى إلى أسفل بعد صدمات سلاسل التوريد، لكن عالم ما بعد فيروس كورونا سيكون على الأرجح مختلفا قليلا، فقد يتباطأ النمو فى التجارة الإلكترونية بالفعل مع ركود النمو ولكن حصة التجارة الذاهبة إلى الصين والملاذات الضريبية سوف يزداد بدلا من أن ينكمش.

وعادة ما تشبه سلاسل التوريد الحديثة، الأنظمة البيولوجية فى تعقيداتها واعتمادها المتبادل، ومع انتشار الوباء، امتدت القيود على تصدير الإمدادات الطبية من مواقع قليلة إلى العالم بأكمله تقريبا، وتهدد مشكلات تجارة الغذاء، مثل القيود على صادرات الأرز التى فرضتها فيتنام فى مارس وإغلاق كثير من المصانع لتعليب اللحوم فى أمريكا بعد تفشى الفيروس بين العاملين، بأزمة فى سلاسل إمدادات الغذاء التى يعتمد عليها مليارات البشر.

ويمكن تعريف نظام إدارة سلسلة التوريد (SCM) على أنه إدارة تدفق السلع والبيانات والأموال المتعلقة بمنتجات أو خدمات، بدءًا من شراء المواد الخام وحتى تسليم المنتج إلى وجهته النهائية، وعلى الرغم من أن العديد من الأشخاص يساوون بين سلسلة التوريد والخدمات اللوجستية، فإن الخدمات اللوجستية هي في الواقع مجرد أحد مكونات سلسة التوريد، تتضمن أنظمة إدارة سلسلة التوريد الرقمية اليوم حزم البرامج ومعالجة المواد لجميع الأطراف التي تعمل معًا لإنشاء المنتج أو الخدمة، وتنفيذ الطلبات، وتتبُّع المعلومات، بما في ذلك المورّدين، والشركات المصنّعة، وتجار الجملة، وشركات النقل، ومقدمي الخدمات اللوجستية، وبائعي التجزئة.‬

تشمل أنشطة سلسلة التوريد المشتريات و‬‏‫إدارة دورة حياة المنتج (PLM) وتخطيط سلسلة التوريد (SCP) (بما في ذلك تخطيط المخزون وصيانة أصول الشركة وخطوط الإنتاج)، والخدمات اللوجستية (بما في ذلك النقل وإدارة الأسطول)، وإدارة الطلب يمكن لأنظمة إدارة سلسلة التوريد أيضًا أن تتوسع لتشمل أنشطة التجارة العالمية، مثل إدارة الموردين على المستوى العالمي وعمليات الإنتاج متعددة الجنسيات.‬

سلاسل التوريد كانت موجودة منذ العصور القديمة، بدءًا من أول منتج أو خدمة تم إنشاؤها وبيعها ومع ظهور مجال التصنيع، أصبحت أنظمة إدارة سلسلة التوريد أكثر تطورًا، مما أتاح للشركات أن تصبح أكثر كفاءة في إنتاج وتسليم البضائع والخدمات فعلى سبيل المثال، كان توحيد هنري فورد لمعايير أجزاء السيارات بمثابة تغيير ثوري، مما سمح بإنتاج السلع بشكل ضخم يلبي متطلبات قاعدة العملاء المتنامية وبمرور الوقت، أدخلت التغييرات الإضافية (مثل اختراع أجهزة الكمبيوتر) مستويات إضافية من التطوّر إلى أنظمة إدارة سلسلة التوريد ومع ذلك، ظلت أنظمة إدارة سلسلة التوريد (SCM) بالنسبة للعديد من الأجيال في الأساس دالة خطية منعزلة تمت إدارتها بواسطة المتخصصين في سلسلة التوريد.

لقد غيّر كل من الإنترنت والابتكار في التكنولوجيا وانفجار الاقتصاد العالمي الذي يعتمد على الطلب كل هذه المفاهيم ولم تعد سلسلة التوريد اليوم كيانًا خطيًا بل أصبحت بدلاً من ذلك بمثابة مجموعات متطورة من الشبكات المتباينة التي يمكن الوصول إليها على مدار 24 ساعة في اليوم ‏‫وفي مركز هذه الشبكات، ينتظر المستهلكون تنفيذ طلباتهم في الوقت الذي يريدونه وبالطريقة التي يريدونها.‬

إننا نعاصر الآن مجال الأعمال والتجارة العالمية غير المسبوقتين، ناهيك عن الابتكار المستمر في التكنولوجيا وتوقعات العملاء المتغيرة بسرعة و‏‫تدعو أفضل ‬‏‫إستراتيجيات سلسلة التوريد اليوم إلى نموذج تشغيل يعتمد على الطلب يمكنه أن يجمع كل الأشخاص والعمليات والتقنيات معًا حول القدرات المتكاملة بنجاح لتقديم السلع والخدمات بسرعة ودقة غير مسبوقتين، على الرغم من أن أنظمة إدارة سلسلة التوريد (SCM) كانت دائمًا بمثابة مؤسسة أساسية، فإن سلسلة التوريد تلعب الآن دورًا حيويًا أكثر من أي وقت مضى كمؤشر لنجاح الأعمال وتعتبر الشركات التي يمكنها إدارة سلسلة التوريد بشكل فعّال للتكيّف مع بيئة الأعمال المتقلبة والمتغيرة باستمرار والمدفوعة بالتكنولوجيا هي تلك التي ستستمر وتزدهر، وكلما تشعبت وتعددت سلاسل التوريد كانت المخاطر أكبر ومنذ تفشي فيروس كورونا يشهد الاقتصاد تكاليف باهظة بسبب التوقف عن العمل فهل بدأ العد التنازلي للعولمة؟‬‬

الحاويات والخزن والشحن في عصر العولمة

شركة داكسار (Dachser) اللوجيستية (خدمات النقل والشحن) تشبه مقياس الزلازل للتجارة العالمية فعندما يحصل خلل في أي مكان في الاقتصاد، فإن أنوار الانذار تشتعل في مقر الشركة الرئيسي حوالي 12.000 شاحنة نقل تعمل بتكليف من الشركة عبر أوروبا وتُحرك الشركة المملوكة عائلياً 8000 حاوية بمنتجات من مختلف القطاعات على مستوى العالم، وحتى عندما كان جزء كبير من العالم أثناء الوباء واقعاً في الحجر الصحي، لم يحصل توقف لدى شركة داكسار:” سُجل تراجع في بعض المنتجات الصناعية واقتصاد السيارات، لكن مجالات الاستهلاك مثل المواد الغذائية عرفت طفرة”، يقول أندرياس فروشماير المسؤول عن التوجه الاستراتيجي للشركة لكن حتى قطاع الخدمات اللوجيستية يكافح ضد تبعات فيروس كورونا.

وليست صدمة كورونا فحسب هي التي كشفت هشاشة سلاسل التوريد، فحتى من الناحية السياسية يتم حالياً مجابهة توزيع العمل العالمي “هذه السلاسل الملعونة للتوريد عندما لا يشتغل جزء منها في العالم يتبعثر كل شيء يجب علينا توفيرها مجدداً في الولايات المتحدة الأمريكية”، كما أفاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وهو ليس الوحيد بهذا الانتقاد فخبراء البيئة يرون في توزيع العمل الدولي حماقة بيئية، والكثير من خبراء التجارة ينتقدون توزيع العمل منذ أزمة كورونا بحكم أنه معرض لصدمات خارجية.

لكن يمكن على كل حال ملاحظة التوجه نحو سلاسل التوريد القصيرة منذ عشر سنوات، كما يقول خبير الاقتصاد هارتموت إيغر: “بعد الأزمة المالية جاء رد فعل كثير من الشركات التي بحثت عن الموردين والمنتجين القريبين منها” وعلى هذا النحو بات الانتاج بالنسبة إلى أوروبا مغرياً في بلدان في أوروبا الشرقية وشمال افريقيا وأزمة كورونا من شأنها تقوية هذا التوجه “الأزمة تأتي أيضا دوماً بحقائق حول التكاليف ومن تم يمكن للشركات أن تفهم أحسن التكاليف عندما تنهار سلاسل التوريد”، كما شرح إيغر في مقابلة مع DW

حين يُهزم نقيض العولمة

حتى الآن تتفادى كثير من الشركات الخزن في المستودعات الكبيرة بسبب التكاليف وشركة داكسار لها أكثر من 170 مستودعاً على مستوى العالم “تجميع البضاعة هو حقل مستقبلي ولضمان استقرار سلاسل التوريد تحتاج الشركات مجدداً إلى مجال أكبر”، كما يؤكد فروشماير وحتى خبير الاقتصاد إيغر لا يعتقد بأنه سيحصل توجه راديكالي للتخلي عن العولمة، لأنّ تقليص سلاسل التوريد يتضمن مساوئ. وماتزال الشركات منشغلة بتدبير الأزمة، لكن التوقف في الانتاج تسبب في تكاليف إضافية، واعتماد مستودعات سيضغط على الميزانية ومن تم لن يحصل تحول حقيقي ويتبخر أمل الكثير من أصدقاء البيئة في الحصول على سلاسل توريد مستدامة ومعقولة.

كيف يمكن أن يغيّر فيروس كورونا سلاسل التوريد؟

يقول الاقتصاديون إن جزءًا من المشكلة هو أن سلاسل التوريد اليوم ليست متنوعة بما يكفي ويقول جيفري غيرتز، الزميل في برنامج التنمية والاقتصاد العالمي في مؤسسة بروكنغز، “إن هناك الكثير من نقاط الاختناق حيث يتركز إنتاج سلع معينة بشكل كبير في بلد واحد، وأحيانًا في مدينة واحدة أو حتى في شركة واحدة، وهذا يخلق مخاطر”، وأضاف “نحن بالتأكيد نرى ذلك مع الصين إن هذا الوباء بالفعل يؤكد حاجتنا إلى زيادة الاستثمار في مرونة وتنوع سلاسل التوريد” يوضح ديفيد سيمشي ليفي، المتخصص في الخدمات اللوجستية لسلاسل التوريد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أن الاستراتيجيات الصارمة لخفض التكاليف منذ سنوات مضت كانت وراء بعض أوجه النقص اليوم وقال، “لقد نجحت الشركات في خفض التكاليف، لكنها زادت بشكل كبير من التعرض للمخاطر وإذا كانت هناك مشكلة فهناك خلل كبير في سلاسل التوريد”، يشير سيمشي ليفي إلى أنه في ثمانينيات القرن العشرين انتقل المزيد والمزيد من الشركات إلى آسيا، وخاصة إلى الصين ويقول، “كانوا يفكرون في الغالب في تدابير وإجراءات لخفض التكاليف دون مراعاة بعض الأمور، على سبيل المثال، تأثير الفترة الزمنية الطويلة للنقل، وزيادة التقلبات وزيادة المخاطر في سلسلة التوريد”، ويشير سيمشي ليفي إلى أن حصة الصين من التجارة مع بقية العالم قد زادت بشكل كبير ففي العام 2002، خلال وباء سارس، مثلت الصين 4.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي ويقول إن الصين اليوم تمثل 16 بالمئة.

تنويع بلاد المنشأ للقطع والمواد التي يجلبها الموردون

يقول غيرتز إن الأكثر من ذلك، أن “سلاسل التوريد أصبحت بشكل عام أكثر تعقيدًا فلدينا المزيد والمزيد من الشركات التي تعتمد على المزيد والمزيد من الموردين الوسطاء لعمليات الإنتاج الخاصة بهم” ويذكر ديفيد بين، الخبير الاقتصادي لدى دار النشر كيبلينغر، أن تعطل سلسلة التوريد يتجاوز الصين وكتب مستشهدًا بمصانع الملابس الكمبودية التي أُجبرت على الإغلاق بسبب نقص الأقمشة الصينية، “إن الشركات التي تستورد قطعًا أو مواد من جنوب شرق آسيا تكتشف أن العديد من هؤلاء الموردين إنما يعتمدون على الصين في الحصول على المواد الخام”.

يقول سيمشي ليفي إن الشركات في جميع أنحاء العالم يجب أن تستثمر أكثر في تنويع بلاد المنشأ لسلاسل التوريد ويضيف، “إن الأمر لا يقتصر فقط على أنهم بحاجة إلى فهم مورديهم، ولكنهم بحاجة إلى فهم من يوردون إلى مورديهم” ويقول إن الشركات أيضا تحتاج إلى التنويع “تأكد من أن المورد لديه العديد من منشآت للتصنيع في مناطق مختلفة، أو أن هناك العديد من الموردين حيث يمكنك التبديل والانتقال من واحد لآخر للحصول على الأجزاء والقطع التي تحتاجها. أو يمكنك الاحتفاظ بمخزون أكثر من المعتاد”.

يشير غيرتز إلى أنه بعد وقوع زلزال وتسونامي العام 2011 في اليابان، والذي أدى إلى نقص في المنتجات، كانت هناك جهود لبناء المزيد من المرونة والتنوع في سلاسل التوريد لكن تلك الجهود لم تدم طويلا “هناك دائمًا خطر يتمثل في أننا لا ندرك نقاط الضعف هذه إلا عندما تضرب وجوهنا [نحن] سعداء بالتخلي عن المرونة لصالح الكفاءة في الأوقات العادية، ولكننا عندئذ نُجبر على إعادة تعلم هذا الدرس مرارًا وتكرارًا التهديد الحقيقي هو أننا نستجيب ونتصدى للأزمة الحالية ولكننا لم نضع أي خطوات لتجنب هذا الأمر في المستقبل”.

يعتقد سيمشي ليفي أن الأمور تختلف هذه المرة ويقول إن التوترات التجارية الأخيرة حفزت الشركات بالفعل على إعادة التفكير في سلاسل التوريد الخاصة بها ويضيف “مع وجود الوباء الآن، فإن الاتجاه نحو ذلك سيتسارع وعندما ننظر إلى سلسلة التوريد بعد 10 سنوات من الآن، سيكون لها هيكل مختلف عن الهيكل الذي رأيناه في السنوات الخمس إلى العشر الماضية”.

خسائر أكبر 3 مراكز لسلاسل التوريد العالمية

قال مركز التجارة الدولية، إن خسائر فيروس كورونا “كوفيد – 19” في صادرات التصنيع في مراكز سلسلة التوريد العالمية الثلاثة – الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة – ستبلغ 126 مليار دولار في 2020، مبينة أن الوباء أثر بشدة في العمليات التجارية لما يقرب من 55 في المائة من الشركات الصغيرة والمتوسطة في العالم، ويكشف المركز في تقرير “توقعات التنافسية للشركات الصغيرة والمتوسطة لعام 2020” مدى عمق تأثر هذه الشركات وسلاسل التوريد العالمية بوباء “كوفيد – 19″، وكيف حول الوباء التجارة العالمية والشركات التي تحركه في حالة من الاضطراب، وطبيعة التحديات التي ستواجهها الشركات الصغيرة والمتوسطة وسلاسل التوريد العالمية مستقبلا وما هي إجراءات بناء مرونة للشركات الصغيرة والمتوسطة لتبقى قابلة للنمو المستقبلي.

ويقدم التقرير (154 صفحة) دليلا للشركات وواضعي السياسات وهيئات دعم الأعمال التجارية بشأن كيفية نشر استراتيجيات التعافي بعد الجائحة، ومساعدة النظم البيئية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة على تجاوز الأزمة والتهيؤ للأوضاع الطبيعية الجديدة، مع التأكيد على الحاجة إلى تجارة وقيادة مرنة ومستدامة وشاملة

وفي حين شهدت معظم الدول شكلا من أشكال الحجر، فإن النتائج التي توصل إليها التقرير تبرز أن إجراءات الحجر في الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة هي التي كان لها أكبر الأثر في التجارة وتمثل هذه الاقتصادات الثلاثة مجتمعة 63 في المائة من واردات سلسلة التوريد العالمية و64 في المائة من صادرات سلسلة التوريد ويقدر مركز التجارة الدولية أن التعطيل العالمي لهذه المراكز الصناعية سيبلغ 126 مليار دولار في 2020.

هذا التعطيل له أيضا أثر سلبي في الدول النامية وتتوقع الدراسة أن يخسر المصدرون الأفارقة أكثر من 2.4 مليار دولار من صادرات سلسلة التوريد الصناعية العالمية نتيجة لإغلاق المصانع في الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ويعزى الجزء الأكبر من الخسارة – أكثر من 70 في المائة – إلى الانقطاع المؤقت لروابط سلسلة التوريد مع الاتحاد الأوروبي، استنادا إلى البيانات التي جمعها التقرير في الأشهر الأولى من العام، فإن أكثر من 55 في المائة من جميع الشركات الصغيرة والمتوسطة قد تأثرت بشدة بهذا الوباء وقال ثلثا هذه الشركات إن الأزمة أثرت بقوة في عملياتها التجارية، مقارنة بـ40 في المائة من الشركات الكبرى وقال خمس المشاريع الصغيرة والمتوسطة إنها معرضة لخطر الإغلاق بشكل دائم في غضون ثلاثة أشهر.

والشركات في قطاع الخدمات هي أكثر الشركات تضررا بالوباء، ولا سيما تلك التي تقدم خدمات الإقامة والغذاء وقال 76 في المائة -كاملة – من الشركات التي تقدم مثل هذه الخدمات إن الإغلاق الكامل أو الجزئي قد أثر بقوة في عملياتها التجارية، في الوقت نفسه، يخلص التقرير إلى أن حظر التصدير وغيره من القيود يغطي 73 في المائة من التجارة العالمية في المنتجات ذات الصلة بوباء “كوفيد – 19″، وتطبق 93 دولة تدابير تصدير مؤقتة تتعلق بالفيروس بما في ذلك حظر التصدير أو فرض قيود على المنتجات الطبية وكذلك الأغذية تختلف القيود على التصدير حسب المنطقة فعلى سبيل المثال، تفرض قيود على تصدير المعدات الطبية ذات الصلة بـ”كوفيد – 19” من قبل عدد قليل من الدول الإفريقية التي لا تصنع هذه المنتجات بنفسها.

على النقيض من ذلك، 105 دول تطبق تدابير مؤقتة على واردات السلع ذات الصلة بـ”كوفيد – 19″ وتهدف جميع هذه التدابير تقريبا إلى تيسير الحصول على الإمدادات الطبية الأساسية أو الأغذية، وقد ألغت ثلاثة أرباع الدول المتقدمة أو خفضت التعريفات الجمركية المفروضة على السلع الطبية منذ بداية الأزمة ولم تتخذ إجراءات مماثلة سوى 46 في المائة من الدول النامية و18 في المائة من أقل الدول نموا.

“كورونا” سيمدد سلاسل الإمداد العالمية ولن يحطمها

ستتحرك الحكومات التي دمرها الوباء، وتكاليف دعم العاملين الخاضعين للإغلاق، والعاطلين عن العمل، في مسار معاكس تماماً لعقود من التراجع والانسحاب، بحيث تضطلع بدور أقوى في اقتصادياتها. وستعمل الشركات التي تولت على مدار سنوات تعهيد نشاط الإنتاج إلى الصين، ونقل الأرباح إلى ملاذات آمنة، على إعادة تلك النشاطات إلى أرض الوطن وستظهر حقبة جديدة تحمل أصداء السنوات اللاحقة للحرب العالمية الثانية، بحيث تحل حقبة جديدة من المساواة محل عصر الحقوق الحصرية والحرمان العام.

في الواقع، نادراً ما صادفت المحاولات التي تجري من أعلى إلى أسفل لإصلاح منظومة التجارة العالمية في أعقاب الصدمات التي تتعرض لها سلاسل الإمداد العالمية، النجاح. من المحتمل أن يكون العالم فيما بعد فيروس “كورونا” مختلفاً بعض الشيء، وربما يتباطأ النمو في التجارة العالمية، مع تجمد معدلات النمو، لكن نصيب التجارة المتجهة إلى الصين والملاذات الآمنة أكثر احتمالاً لأن يزيد عن أن يتضاءل، وغالباً ما يجري تشبيه سلاسل الإمداد الحديثة بالمنظومات البيولوجية، من حيث درجة التعقيد والاعتماد المتبادل ومثلما الحال مع فيروس “كورونا” ذاته، من الممكن أن تتحول نقطة ضعف في جزء ما إلى مرض يسبب انهيار الكائن بأكمله.

بعد أزمة حادة، يمكن أن تتحول كثير من العناصر التي تضمن نجاح عمليات التصنيع القائمة على مبدأ “الإنتاج الفوري” إلى نقاط قصور مثلاً، فإن انحسار مستويات المخزونات يمكن أن يعين شركة ما على نشر رأس مالها بفاعلية أكبر، لكنه في الوقت ذاته قد يتركها دون شبكة سلامة وحماية حال تعرض جهة الإمداد للإغلاق وبالمثل، فإن شراء كميات ضخمة من المواد من عدد صغير من الشركاء يمكن أن يقلص التكاليف، لكنه يقلص معها تنوع جهات الإمداد التي تحتاج إليها الشركات للتعافي حال وقوع أزمات طارئة وبينما تمكن سلاسل العرض العالمية الشركات من الاستفادة من تكاليف العمالة المنخفضة داخل الاقتصاديات الناشئة، فإنها تتركها أيضاً عرضة للخطر حال وقوع توترات تجارية أو تفشي أوبئة، بما يؤدي إلى تشديد السيطرة على الحدود.

وفي هذا الصدد، قالت نادا ساندرز، البروفسورة بجامعة نورث إيسترن في بوسطن: “تغلي سلاسل الإمداد حالياً وتقف في حالة سكون”، مما يعني أن نتائج ما يحدث الآن لم تظهر على السطح بعد وأضافت أن “المدى المتوسط سيكون الأشد خطورة وبمجرد أن يدخل الشتاء، لا أشعر بالتفاؤل تجاه ما سيحدث”، أما الأزمة التالية، فمن المحتمل أن تقع في مجال النقد، ذلك أن انحسار تجارة البضائع، بما يصل إلى الثلث هذا العام، مثلما تتوقع منظمة التجارة العالمية، سيخلق ضغوطاً هائلة على عائدات كل شركة تعمل عبر الحدود وستبحث الشركات عن إعانات من الحكومات، ولين من جانب جهات الإقراض، لكن سلاسل الإمداد ستتحمل نصيباً كبيراً من التوتر، مع سعي الشركات نحو الحفاظ على النقد من خلال استغراق فترات أطول في سداد فواتيرها.

وتعد مثل هذه التأجيلات في السداد واحدة من أقدم صور التمويل، وتتميز بكونها خالية من الفوائد، وستترك التداعيات الاقتصادية للوباء الشركات الكبيرة صاحبة الميزانيات القوية والقدرة على الحصول على تمويلات وأموال حكومية في وضع أقوى نسبياً وربما تتمكن الشركات الأصغر الموردة لعناصر أساسية من الاعتماد على دعم شركات متعددة الجنسيات تقف عند قمة سلاسل الإمداد أما الشركات التي تنتج منتجات أكثر سلعية فقد تجابه صعوبة أكبر.

دلال العكيلي

شبكة النبأ المعلوماتية

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »