سيرته الذاتية:
ولد ماكس ،فيبر في ألمانيا عام 1864م. تأهل في القانون، ثم أصبح عضوًا في هيئة تدريس جامعة برلين. وظل أكاديميًا طوال حياته، وكان له اهتمام رئيس في النصر الساحق الواسع للتطور التاريخي للحضارات، من خلال دراسات علم اجتماع الدين وعلم اجتماع الحياة الاقتصادية. وفي تناوله لكل من هذين الموضوعين فقد أحدث تغييرًا هائلاً في عملية البحث في الديانات العالمية الرئيسة كاليهودية، والنصرانية والإسلام والبوذية، وفي تتبع نمط التطور الاقتصادي من عصور ما قبل الإقطاعية. وهذان الاهتمامان اجتمعا في دراساته الكلاسيكية لتأثير المعتقدات البروتستانتية في تطوير الرأسمالية في أوروبا الغربية والولايات المتحدة. ويتمتع فيبر بإنتاج ضخم وبأسلوب مضجر كعادة أسلوب الفلاسفة الألمان، لكن كتاباته التي ترجمت إلى اللغة الإنجليزية جعلت منه شخصية مهمة في علم الاجتماع.
كان الإسهام الرئيس لفيبر في دراسة المنظمات يتمثل في نظريته عن نظم السلطة والتي قادته لتصوير المنظمات فيما يتعلق بعلاقات السلطة في داخلها. وهذا نجم عن الاهتمام الجوهري الخاص بأسباب إطاعة الأفراد الأوامر، ولماذا يفعل الناس ما يطلب منهم. ولمعالجة هذه المشكلة عمد فيبر إلى التفريق بين النفوذ (القدرة على إجبار الناس على الطاعة، بغض النظر عن مقاومتهم) وبين السلطة، حيث تطاع الأوامر بشكل طوعي من قبل من يتلقونها. وفي النظام السلطوي، ينظر المرءوسون إلى إصدار التوجيهات من قبل الرؤساء بصفته أمرًا شرعيًا. وميز فيبر بين الأنواع التنظيمية وفقًا للطريقة التي يتم بها إضفاء الصفة الشرعية للسلطة. وقد أوجز ثلاثة أنواع صرفة سماها “ساحرة”، و”تقليدية” و”عقلانية قانونية”، وكل منها معبر عنها في نظام أو أداة إدارية خاصة. وهذه الأنواع الصرفة عبارة عن امتيازات تعتبر مفيدة في تحليل المنظمات، على الرغم من أن أي نظام حقيقي قد يكون نتاجا لها كلها.
يعتبر فيبر عالم اجتماع ألمانيًا، وهو الأب المفكر للنموذج البيروقراطي لنظرية التنظيم. وطور فيبر نظرية شبيهة جدًا لنموذج النظرية الكلاسيكية للإدارة لهنري فايول، ولوثر غوليك وليندال أورويك، على الرغم من أن فيبر وصل إلى استنتاجاته عبر طريق مختلف. وفيبر معاصر لفايول، وغوليك وأورويك، وكذلك لوودرو ويلسون وفردريك تايلور، لكن آراءه لم تعرف بشكل واسع في الولايات المتحدة حتى عام 1946م وعام 1947م، حيث ترجمت أعماله من قبل جيرس، رايت ميلز (من ماكس فيبر: مقالات في علم الاجتماع) (From Max Weber: Essays in Sociology)، وكتاب نظرية التنظيم الاجتماعي والاقتصادي (The Theory of Social and Economic Organization) ترجمة هندرسون وتالكوت بارسونز التي ظهرت في تلك السنوات. لقد ركز فيبر في جزء مهم من عمله على أسباب شعور الناس بالتزام تجاه طاعة الأوامر من دون تقييم مواقفهم الخاصة عن قيمة كل أمر. وهذا التركيز كان جزءًا من تركيز فيبر على تنظيم علم الاجتماع ككل ودور الدولة بوجه خاص. وقد أراد توضيح العلاقة بين النفوذ – القدرة على جعل الناس يفعلون ما لا يفعلونه بشكل اعتيادي – والسلطة. ووصف فيبر السلطة بأنها نفوذ شرعي. فقد ذكر أن المرءوس يعتقد أن الشرعية تنتج نموذجًا مستقرًا من الطاعة ومختلفًا عن مصدر الأمر في النظام التنظيمي. إن السلطة لا يمكن أن تعتمد على إغراء الاهتمامات المادية الصرفة للمرءوس وحساب الفائدة الشخصية، أو على الدوافع العاطفية كحب الرئيس أو الإعجاب به. ولا يمكن أيضًا أن تعتمد السلطة على الدوافع الخيالية. وضع فيبر ثلاثة أنواع “صرفة” من السلطة الشرعية كما بحثها جيمس فيسلر في كتاب الإدارة العامة، النظرية والتطبيـق (Public Administration, Theory and Practice,1980), وهي:
- تطالب السلطة التقليدية بالشرعية على أساس نماذج السيطرة التي استمدت من الماضي، والتي يفترض أنها موجودة دائمًا. فالتقاليد الممعنة في القدم تكون مقدسة، والشرعية ترتبط إلى حد بعيد بالالتزام الذي يشعر به المواطن عن الطاعة الشخصية تجاه الفرد الذي يبلغ الزعامة بالطريقة التقليدية. إن التغيير يكبت من قبل الرئيس. وهؤلاء الذين يطبقون السلطة يخافون من توسيع الطرق التقليدية في إنجاز الأمور، لأن التغيير المضمون قد يقطع مصدر الشرعية الخاص بهم. والهوى مسموح به في الأنظمة السلطوية التقليدية، لوجود علاقة شخصية قوية بين الحكام والمحكومين. وإذا تعدى الحاكم التقليدي القيود التقليدية الاستبدادية غير المحكمة، فإنه قد يُخلع، لكن يمكن اختيار خلفٍ له وفق الأساليب التقليدية، ويستمر النظام السلطوي.
- السلطة الكاريزمية تستند إلى الإخلاص الشخصي تجاه فرد، نسبة للصفة القدسيــة أو الاستثنائية أو البطولية أو القدوة لذلك الشخص. إن مكانة القائد الساحر التي يحتلها في المجتمع ليست مقدسة لو قيست بالمعيار التقليدي. والشخص الساحر لا تقيده القوانين التقليدية وهو قادر على إحداث تغييرات ثورية. والسلطة الكاريزمية لا تقبل أي نظام من القوانين لتنظيم المجتمع. لا وجود لقانون، ولا تسلسل هرمي، ولا تمسك شديد بالشكلية، ما عدا المطالب الأساسية للولاء تجاه الشخصية الكاريزمية. ويكون أتباع هذه الشخصية ملزمين بالتقيد باتباع أوامر القائد. ومن المفترض أن يؤدي ذلك إلى إنجاز رسالته، ويطيعه أنصاره نسبة للولاء الشخصي، وليس لأن الأحكام تجبرهم على الطاعة. ويتدخل القائد متى وحيثما أراد ذلك، غير مقيد بالتقاليد أو القانون. والسلطة الكاريزمية تعارض الروتين المنظم. وكل من السلطة التقليدية والكاريزمية قد تشرع ممارستها بشكل استبدادي أو ثوري وإلهامي. وبالتالي فإن كلا النوعين من السلطة يفتقدان الواقعية. ويعتقد فيبر أنهما يكونان مسئولين عن كل الأفعال المنظمة تقريبًا في العالم قبل الثورة الصناعية. وتطلبت الفترة الحديثة المبكرة قيام نظام اجتماعي على أساس مستقر، لكنه نظام يكون منفتحًا على التغيير.
- ترتكز السلطة العقلانية القانونية على الأمر المجرد المبني على القانون وتكون الطاعة مطلوبة للأشخاص الذين يمارسون سلطة المكتب، فهم يستمدون هذه السلطة من خلال قوة قانونية أوامرهم، وفقط ضمن حدود السلطة المخولة للمكتب. إن نظام السلطة العقلانية يكون مبنيًا على الأحكام، ومعقولية الأحكام يتم وضعها من قبل الناس. ومثل هذه القوانين يمكن تغييرها بشكل متعمد لتتلاءم مع التغييرات التي تحدث في البيئة بشكل منظم، وبطريقة قابلة للتنبؤ بها أكثر من إمكانية ذلك تحت السلطة التقليدية أو الكاريزمية. وجوهر السلطة العقلانية القانونية هو البيروقراطية. والبيروقراطية هو نظام علاقات السلطة المحددة بواسطة القوانين الموضوعة بشكل عقلاني.
مساهمته وتأثيره:
يعتبر فيبر واحدًا من الشخصيات المؤثرة في تاريخ الفكر الإداري الحديث. وأفكاره في السلطة العقلانية القانونية توازي – بشكل لصيق – مبادئ نظرية النظام الكلاسيكي التي تم تطويرها في الولايات المتحدة. وقد تم التركيز على هذه الأفكار أو النظريات بشكل فعال. وكل منها يركز على التنظيمات الإدارية والتي تؤسس نواحي تشريعية ثابتة ورسمية من المسئولية كجزء من التقسيم المنظم للعمل، ويركز على السلطة لتعطي الأوامر المطلوبة لتأدية الواجبات الموكولة، ويركز على مبادئ التسلسل الهرمي المكتبي ومستويات السلطة من الدرجات في نظام متين مرتب من الرئيس والمرؤوس، ويركز على أن البيروقراطية العقلانية يجب أن تتكون من موظفين يعملون بدوام كامل، وتدفع لهم أجور باعتبارهم مهنيين معينين، يتمتعون بخبرة وتدريب شامل يتعلقان بالمهنة، ويتم اختيارهم بناء على مؤهلات فنية. وهذه الأفكار أو النظريات تؤكد على أن الكائن البشري هو الذي يشكل “الآلة البيروقراطية” ويجب أن يتجرد هؤلاء البشر من اختلافاتهم الإنسانية. وبافتراض كل ذلك والتشابهات الأخرى بين النظرية البيروقراطية والنظرية الكلاسيكية للإدارة فإنه من الغريب في التاريخ الإداري أن تهاجم نظرية النظام الكلاسيكي بقسوة، بينما تنال نظرية فيبر للنظام البيروقراطى احترامًا عميقًا باستمرار في دوائر فكرية متنوعة واسعة. وليس الأمر هو أن النظرية الفيبرية ليس لها مواطن ضعف، فأحد مواطن ضعفها هو التناقض غير المسلم به بين السلطة الهرمية – التي ركز عليها فيبر – والمعرفة المتخصصة والمهنية والكفاءة الفنية التي أدركها أيضاً. وقد فشل فيبر في الإشارة إلى أن هذه المعرفة الفنية تمنح “سلطة” للمرءوسين الذين يتمتعون بمعرفة متخصصة وكفاءة. ومأخذ آخر لفيبر هو العلاقة المضطربة بين التحول إلى البيروقراطية والعصرنة في المجتمعات المتقدمة. والنقد الصيني للأشكال البيروقراطية للأنظمة يعتبر قويًا جداً، وهو مبني على أساس الاعتراضات على تركيز فيبر على الكفاءة الفنية وعلى تأكيد ماوتسي تونغ على النقاء السياسي. وخلال فترات القفزة الكبرى والثورة الثقافية لتاريخ ماو، كانت الصحافة الصينية مليئة بالأمثلة عن متخصصين ذوي تدريب عالٍ ولكنهم لا يستطيعون حل أبسط مشكلات العمل، وعن عمال غير متخصصين، ولكنهم يستخدمون بديهتهم وإلهامهم السياسي، فأصبحوا قادرين على الوصول إلى ابتكارات حيوية في العمل. أما شعار “المتخصصون يقودون” – الذي جاء ليعبر عن وضع فكري في الصين – فقد كان من الغريب أن يرتبط بنموذج البيروقراطية الفيبري، فهو على خلاف معه. وهناك عبارة يسهل فهمها كانت واحدة من عظات ماوتسي تونغ في عام 1933م تقول: “هذا الشر العظيم، البيروقراطية، يجب رميه في البالوعة”. وطوال توليه لعمله فقط اختط نظرة نقدية صارمة عن البيروقراطية والبيروقراطيين. ومن أجل الوصول إلى نقاش عميق لمآخذ فيبر النظرية، يجب على القارئ أن يطلع على كتاب مارتن كينج وايت “البيروقراطية والتحديث في الصين: النقد الماووي” في عدد أبريل 1973م من دورية علم الاجتماع الأمريكية.
مسرد لأهم أعماله:
- Sociology, edited by H. H. Gerth and C. Wight Mills. New York: Oxford University Press, 1946.
- Weber, Max, The Theory of Social and Economic Organization, translated by A. m. Henderson and Talcott Parsons, New York: the Free Press, New York: the Free Press, 1968.
المراجع:
- .A.M Henderson, and Talcott Parsons. The Theory of Social and Economic Organization Harper & Row, NY, 1947
- Brian R. Fry, Mastering Public Administration: From Max Weber to Dwight Waldo, Chatham House Publishers, INC, New Jersey, 1989
- .Chandler C. Ralph, Plano C. Jack, The Public Administration Dictionary, John Wiley & Sons, NY, 1982.
- .Feeler W., James, Public Administration: Theory and Practice. Prentice- Hall, Englewood Cliffs, NJ, 1980
- H.H. Girth and C. Wright Mills. From Max Weber: Essays in Sociology; Random House, NY,1946
- McCurdy, E. Howard, Public Administration: A Bibliographic Guide to the Literature, Marcel Dekker, INC, NY, 1985.
- .Wren A. Daniel, The Evolution of Management Thought, John Wiley and Sons, NY, 1987
المصدر:
د. إبراهيم علي ملحم (2008)، علماء الإدارة وروادها في العالم: سير ذاتية وإسهامات علمية وعملية، (القاهرة: المنظمة العربية للتنمية الإدارية).