ملخص الدراسة :
إذا كان من الصحيح أن جوهر الحياة هو الماء، فما يصح أيضا أن جوهر الحياة الاقتصادية والاجتماعية هي الطاقة، وقد ارتبطت الطاقة ومند زمن بعيد بالقوة والثراء، واكتسب السيطرة عليها أهمية قصوى.
فمند اكتشاف الإنسان للمحروقات، دخل الاقتصاد الدولي بأوجهه منعطفا أساسيا، تجلى في نسج شبكة من العلاقات بين مناطق الإنتاج ومناطق الاستهلاك، فأصبح لدينا على الساحة الدولية مناطق ذات بعد جيوبوليتيكي، بالإضافة إلى ظهور عدة مفاهيم تحيط بهذه المادة الإستراتيجية، أثرت على محددات العلاقات بين الدول، كمفهوم أمن الطاقة الذي يحتل المرتبة الثانية بعد الدفاع عن الأمن القومي في الأجندات السياسة الخارجية للدول الصناعية الكبرى.
وبالتالي لم يعد بالإمكان معالجة قضايا الطاقة بمعزل عن معالجة العلاقات الاقتصادية والجيوسياسية، التي يجب أن تقوم عليها العلاقات بين الدول المنتجة والدول المستهلكة، ويتجلى هذا بوضوح في سرعة تغير خريطة الطاقوية تماشيا مع التغيرات والتحولات الاقتصادية، والسياسية والعسكرية وأيضا الآثار البيئية، خاصة وأن العالم عرف ظهور فاعلين جدد باستراتيجيات جديدة، ليس بالضرورة عدوانية أكثر مما هي دبلوماسية سلمية تسعى من ورائها تحقيق المصالح.
فالأمر المؤكد هنا أننا نعيش في عالم يتطور ويتقدم باستمرار، ذات تداعيات وتغيرات الاقتصادية والديمغرافية، أثرت على السلم والأمن الدوليين، ومنها على الأخص قضية التغيرات المناخ وانبعاتاث الغازات الدفيئة، مما أجبر الحكومات وصناع القرار حول العالم لاستكشاف أساليب جديدة لإستغلال الطاقة.
وفي هذا الإطار قدمت العديد من السيناريوهات التي تخدم النمو الإقتصادي مع مراعات أنظمة التنمية المستدامة. ووقع الإجماع من طرف غالبية العلماء والخبراء والمهتمين بالشؤون البيئة والمجتمع الدولي، على إتباع إستراتيجية التغيير من عصر الاقتصاد الكلي على الطاقة الأحفورية، إلى عصر استخدام مصادر الطاقة البديلة والمتجددة؛ نظرا ضخامة مواردها وغزارتها وتنوعها. خاصة أنه تم تطويع هذه المصادر عبر خلق تكنولوجيات وتطبيقات، تستطيع من خلالها الاستفادة بشكل لا يخدم الاستعمالات البسيطة فقط، بل أيضا تشغيل مصانع ضخمة ومحطات ذات قدرة عالية، وأضحت في متناول الجميع وتستجيب لمتطلبات العصر.
وعندما نتحدث عن التكنولوجيا والخيارات المتاحة بين أيدينا، يجب أن نضع في الحساب أن أي خيار له نتائجه الاجتماعية. لذلك فالأمر متعلق بالدرجة الأولى بالأسلوب الفعال والناجع والتقنية الكفؤة؛ للحصول على خدمات الطاقة في مستوياتها الأساسية، ولاسيما في المناطق البعيدة والمناطق الريفية الفقيرة التي تفتقر فيها الإمدادات المركزية، وهذا لن يتأتى إلا بسيادةالوعي داخل المجتمع.
وهو ما سعى إليه المغرب، الذي يعتبر نموذج واقعي وناجح في مجال اعتماد الطاقات المتجددة، من خلال إستراتيجيته الوطنية المتدرجة للطاقة، والتي عرفت انطلاقتها الفعلية منذ2009. حيث جعل القطاع الطاقة في ضل ورش الجهوية المتقدمة الذي دعا إليه صاحب الجلالة، أداة فعالة لاستثمار المؤهلات كل جهة بإيجاد آليات ناجعة للتضامن، من خلال برامج التنمية الحضرية المدمجة وسياسات العمومية، التي تتضمن برمجة للمخططات القطاعية؛ ومن ضمنها سياسات تحسين الكفاءة الطاقية، والتي تعتبر جوهر ولب تدابير النجاعة الطاقية والمدرجة في جميع برامج التنمية القطاعية. حيث إستطاع بذلك خلق سياسة طاقية وطنية ناجعة.
ومن هنا يتضح أن مواضيع الطاقة لم تعد تناقش وتدرس ضمن مناهج العلوم الفيزياء والتكنولوجيا فحسب؛ بل إنه وابتداء من الثمانينيات القرن الماضي ظهر نوع من الدمج بين العلوم التطبيقية والتكنولوجيا والمجتمع، لتطوير التفكير والتحري قدر الإمكان عن الخيارات المتاحة التي تتناسب مع الظرفية الحالية. وبالأخص القضايا المعقدة، والتي تتصدر النقاش الحالي ولها تأثير يمتد إلى عدة أجيال في المستقبل.
جميلة مرابط
جامعة سيدي محمد بن عبد الله – كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية -فــاس -2018