هل تحدد قوى السوق معدلات الأجور، أم تقرر الشركات مستويات الأجور الممنوحة للعمال؟
يدخل هذا السؤال في لب الكثير من النقاش الدائر حول الاقتصاد. لماذا ظل نمو الأجور بطيئاً لسنوات عدة؟
إن كنت مؤيداً لجانب قوى السوق المؤثرة في مسألة نمو الأجور، فقد تجيب بأن نمو الإنتاجية لم يكن قوياً. وإن كنت مؤيداً للجانب القائل إن الشركات تملك المقدرة الكبيرة على سداد ما يريدون سداده للعمال، وإحباط قوى السوق الأخرى، فربما تجيب بأن أرباب الأعمال قد عقدوا عزمهم على زيادة الأرباح على حساب رفع الأجور.
وبطبيعة الحال، فإن القليل من الناس — وربما عدد أقل من خبراء الاقتصاد — يعتقدون أن أحد العوامل أو غيره ليس له دور حقيقي على الإطلاق في تحديد الأجور. لكن من الشائع أن نسمع لبعض المحللين البارزين وبعض المنظمات من اليسار تقول، إن العلاقة الرابطة بين الأجور والإنتاجية لدى أغلب العمال قد تهرأت فعلياً منذ عقود. وعلى نحو مماثل، فإن الكثيرين من تيار اليمين سرعان ما يرفضون الاعتراف بأهمية العوامل غير السوقية في تفسير تباطؤ الأجور.
لذا؛ دعونا نركز الحديث على العمال العاديين والعمال منخفضي الأجور. بالنسبة إليهم، فإن القصة المعيارية تدور حول الشركات التي تتنافس على الموظفين؛ مما يؤدي إلى رفع الأجور حتى يتلقى العمال رواتبهم وفقاً لمساهماتهم في الشركة. ولا تدفع الشركات للعمال أقل من قيمة إنتاجيتهم في العمل – أي مقدار الربح الذي يحققه العمال لصاحب العمل – لأن ذلك سيؤدي إلى انتقال العمال إلى وظائف أخرى، حيث ينالون فيها ما يستحقونه من أجور. وبهذا المعنى، لا يقرر أرباب الأعمال مقدر ما يدفعونه من أجور. بدلاً من ذلك، تتحدد الأجور وفقاً لفعاليات السوق.
ليس بهذه السرعة، كما يقول الكثير من خبراء الاقتصاد والمعلقين. إذ تتجاهل هذه القصة بعض السياسات المهمة للشركات، التي نوقشت على نطاق كبير مؤخراً، والتي تسمح لأرباب الأعمال دفع الأجور للعمال بأقل مما يستحقون وفق آليات الأسواق.
خلال الصيف الماضي، استبعدت أكثر من عشر مجموعات من سلاسل المطاعم الكبيرة – بما في ذلك ماكدونالدز، وأبلبي، وجيمي جونز – «اتفاقيات عدم التصيد» من تعاقداتها مع أصحاب الامتيازات. وتمنع هذه الاتفاقيات على العمال في أحد المطاعم، ماكدونالدز مثلاً، من الحصول على وظيفة في أحد امتيازات ماكدونالدز الأخرى. وأصبحت هذه الاتفاقيات شائعة بصورة مدهشة بين أصحاب الأعمال ذوي الأجور المتدنية، وربما يعملون على ممارسة المزيد من الضغوط الشديدة على الأجور من خلال إحباط آليات السوق التنافسية عن طريق تقييد الخيارات المتاحة أمام العمال لبحث عن وظيفة مختلفة ذات دخل أعلى.
وتعتبر «اتفاقيات عدم المنافسة»، التي يوافق العمال فيها على عدم الانضمام إلى أو إنشاء شركة منافسة لفترة معينة من الزمن بعد مغادرة صاحب العمل الحالي، هي من السياسات المماثلة لما تقدم. وتعتبر هذه الاتفاقيات منطقية في بعض الحالات الخاصة بالعاملين في المجالات المعرفية، والمسؤولين التنفيذيين الذين يملكون الأصول الفكرية الكبيرة فيما يتعلق بصاحب العمل الحالي. لذا؛ قد لا يكون من المستغرب أن أكثر من 60 في المائة من المديرين التنفيذيين و4 من كل 10 مهندسين لا يحظون بميزة المنافسة.
لكن الأدلة تشير إلى أن نحو خُمس العمال كافة، بما في ذلك العمالة ذات الدخل المنخفض، يخضعون لترتيبات الاتفاقيات غير التنافسية كذلك. وهذا مما يصعب فهمه. ومرة أخرى، من خلال تقييد الخيارات المتاحة أمام العمال، فإن هذه السياسات قد تقيد من الأجور بطريقة أو بأخرى.
إنني أشيد بإنهاء العمل باتفاقيات عدم التصيد في سلاسل المطاعم ولا أرى من سبب وجيه لتطبيق اتفاقيات عدم التنافس على العمالة منخفضة الأجور. وبصفة عامة، إنني أؤيد بشكل كامل جعل أسواق العمل أكثر تنافسية. لكنني أشكك كذلك في أن سياسات هذه الشركات سوف يكون لها تأثير كبير على أرباح العمال العاديين وأصحاب الدخول المتدنية.
كم من مرة يجري تطبيق هذه الاتفاقيات؟ وإن كان المحاسب في ماكدونالدز لن يستطيع العثور على العمل نفسه في السلسلة نفسها في مكان آخر، فلماذا لا ينطلق للعمل لدى مطاعم برغر كينغ؟ من الصعب تصور أن هذه القيود تقلل من أجره بصورة كبيرة. وهناك أدلة قليلة للغاية لإثبات هذا التأثير في الواقع.
وهذا لا يعني أن الاحتكاكات في التشغيل السلس لآليات الأسواق التنافسية لا تمنح أرباب الأعمال بعض السلطات لتحديد الأجور التي يدفعونها. لكن الاحتكاكات الأكثر أهمية هنا ليست مدفوعة بتأثير سياسات الشركات.
على سبيل المثال، تكاليف التنقل باتت أكثر أهمية من ذي قبل. فهي تكلف الوقت والمجهود لتغيير الوظائف، وتستهلك الأموال للانتقال إلى مدينة مختلفة من أجل وظيفة أفضل. وهذا يمنح أرباب الأعمال قدراً من السلطة على تحديد الأجور. مثالاً، يمكن لشركة من الشركات الإبقاء على مستوى الأجور لبعض العمال دون مستوى السوق إذا لم يرغب هؤلاء العمال في تحمل تكاليف تغيير الوظائف. ومن العوامل المهمة الأخرى هو نقص العمال في مجال المعلومات بشأن ما يمكن أن يكسبوه في مكان آخر؛ الأمر الذي يقلل من إمكانية الانتقال.
ولقد وضعت الحكومات العراقيل أمام آليات السوق من خلال الانتشار المبتذل للتراخيص المهنية؛ الأمر الذي أسفر عن تقليل أجور العمال الذين لا يستطيعون الحصول على التراخيص، وتقييد كذلك حركة العمال المرخص لهم. وخلصت دراسة حديثة إلى أن معدل الهجرة عبر خطوط الولاية بالنسبة للأفراد في المهن ذات متطلبات الترخيص الخاصة بالولاية هو أكثر من الثلث أدنى مما هو بين الأفراد في المهن التي تخضع لمثل هذه القواعد.
ومن شأن الانخفاض العام في ديناميكية سوق العمل وفي انتشار نقابات العمال أن يزيد من سلطة أرباب الأعمال على الأجور كذلك.
مايكل سترين 2022