ميكافيلي، نيكولو

سيرته الذاتية:

يعتبر ميكافيلي أحد السياسيين الموهوبين، وكان منظرًا سياسيًا ومؤرخًا بارعاً. ولد في فلورنسا لعائلة أنولد التي تنحدر من مونتيسبيرتولي. وكان ينظم في شبابه قصائد واقعية وهزلية. وحصل في 19 يناير 1498م على وظيفة سكرتير في رئاسة جمهورية فلورنسا، وهي وظيفة تقلدها حتى عام 1512م. ولم تكن وظيفته في الحقيقة وظيفة ذات درجة شرفية عالية، ولا ذات أجر عال، لكنها جعلته في موقع المسئولية وفي مرتبة ضمن العشرة المهتمين بشئون الحرب والدولة.

وأتاحت له الوظيفة أن يسافر كثيرًا ضمن مهامه الرسمية، ومكنته من اكتساب معرفة بالسياسة العملية، وكان فعالاً ومجداً، الأمر الذي جعل اسمه حتى في وقتنا الحالي مرادفًا للسكرتير الفلورنسي. وبعمله سكرتيرًا فقد كتب تقارير وخطابات في مهماته يصف فيها ملاحظاته واستنتاجاته بدقة ومنطقية. كانت أولى كتاباته عبارة عن خطبة في شئون البيسانيين العشرة (1499م) والتي ناقش فيها ما يجب أن يسبق التجريم: ذلك بأن الجندي المرتزق، والقوانين المتميزة والنقص في الولاء، كان من الأخطاء الخطيرة، وكان على المواطن الجندي الحفاظ على الحاكم من النزاع الداخلي والهجوم الخارجي.

مساهماته:

كانت فكرة ميكافيلي عن المواطنة الدائمة مساهمة حقيقية في زمنه. وقد سمح له بأن يكوِّن ميليشيا خاصة في عام 1506م. ولم يغير وجهة نظره، وكانت معاهداته الثلاث المهمة الدارتا ديلا غيرا (1518- 1520م) عبارة عن حوار عن نتائجه العامة والفنية من دراسته للرومانيين، وكذلك الإجراءات العسكرية المعاصرة. وقد سجل هنا مرة أخرى أن القوانين وتصرفات الدولة للصالح العام ليست نافعة إلا بالنسبة لعملية إعداد الدولة للدفاع العسكري. وبدأ ميكافيلي في عام 1500م سلسلة من المهمات في فرنسا، وللعديد من المدن الإيطالية، وتبادل مع البابا تشارلز الثاني في عام 1502م أول كتابة سياسة رسمية له، هي عبارة عن خطبة بعنوان “أسلوب معاملة السكان المتمردين في ايلديشيانا”. كاشفًا عن التأثير العظيم لدراساته عن التاريخ الروماني. وعمل ميكافيلي من1502م إلى 1503م كمبعوث لقيصر بورجيا الذي أُعجب به بشدة لتنظيمه مليشيات من المواطنين، ولحقيقة أن بورجيا كانت بالضرورة استبدادية، ولقد منح حكمًا أفضل للرومان. وأدى الاحترام الذي لقيه من قيصر بورجيا إلى تبوئه مكانة مرموقة لاحقًا (الأمير) The Prince.

كتب ميكافيلي في عام 1508م تقاريره اللاحقة عن فرنسا وألمانيا. وبعد عدة مهام قام بها إلى بلاط لويس السابع والإمبراطور ماكسيمليان، والذي دانت له جمهورية فلورنسا عند انسحاب فرنسا، نفي ميكافيلي في فترة حكم ميديسي الاستبدادي الذي جاء إلى السلطة بمساعدة القوات الأسبانية للبابا. واتهم ميكافيلي بجرائم خطيرة تعرض للتعذيب بسببها. وعلى الرغم من أنه ثبتت براءته، لكنه أبعد عن فلورنسا لفترة عام وأجبر على العيش بالقرب من مزرعة صغيرة. وعاش لفترة ثلاثة عشر عامًا في هدوء وبساطة، على الرغم من أن هذا النفي أزعجه لطول مدته، حيث إنه لم يكن مسموحًا له العودة إلى خدمة بلده.

وكان عزاؤه الوحيد هو استغراقه في التأمل والكتابة: “ذلك الغذاء ملكي والذي من أجله ولدت”. كتب ذلك في رسائله الشهيرة عام 1513م إلى صديقه فرانسيسكو فيتوري. وفي ذلك العام بعد أن ألف كتابه الأول عن خطبه، انقطع ميكافيلي عن هذا العمل ليكتب لاحقًا كتابه الشهير: (الأمير) والذي وضع له عنوانًا لاتينياً. واستمر في الكتابة حتى 1525م حينما استدعي إلى فلورنسا لتولى عملية التحصينات بالنسبة للمدينة التي كانت تحت التهديد بالهجوم الإمبريالي من أسبانيا. وكان عليه ان يخدم المدينة كمبعوث في مهام عديدة. وبعد نهب روما في عام 1527م، فر ميديسي هايرز من فلورنسا، وأعلن عن تحول المدينة مرة أخرى إلى جمهورية. ونسبة لأنه عمل للجمهورية بعد ذلك حزن ميديسي وميكافيلي للجمهوريين الجدد. وبعد أسبوعين من تكوين الحكومة الجديدة، مرض ميكافيلي مرضا شديدا من صدمته من الأحداث الجسيمة التي تعرض لها.

والآثار الأدبية لميكافيلي هي مقالات عن الكتب العشرة الأولى لليفي، والتي جمعت على التوالي بين عامي 1513م و1518م ، والأمير The Prince, 1513، وفن الحرب، 1520 The Art of War,، وتاريخ فلورنسا،The History of Florence, 1524، وملهاة ماندراغولا وسليسيا، Mandragola and Clicia, 1531. وبعض أفكار ميكافيلي المهمة كانت في تأسيس وتكوين الدولة، حيث كان يعتقد أنها يجب أن تكون عمل الأمير المنتخب وليست وراثية، والذي عمل بشكل نشط للصالح العام وأعان في توافر القوة من أجل إقامة إمارة أو جمهورية، والتي عندما تم تنظيمها لم يشاركه في الحفاظ عليها أي إنسان.

بينما يعالج كتاب المحادثات Discourses بشكل رئيس توسع الجمهورية الرومانية، فإن كتاب الأمير يعالج الملكية أو الحكومات الاستبدادية. ولا يوجد أي إنسان في عهده كان يرى الأمور بوضوح كما يراها ميكافيلي، لأن التوجه نحو التطور السياسي كان يتجه نحو تكوين ملكية مطلقة استبدادية في كل أوروبا في وجه المجتمع والكنيسة الفاسدة. وبالنسبة لميكافيلي كان الحاكم يعتبر خارج المجموعة لأهميته السامية كمانح قانون، فقد كان فوق أخلاقها، وبالتالي كانت لديه حرية في استخدام جميع الأساليب لجعل الدولة آمنة. والنفوذ السياسي وآليات الحكومة كانت بالنسبة لميكافيلي نهاية في حد ذاتها. والسلطة المطلقة للهيئة التشريعية كان أداؤها جيدًا من خلال نجاحها في حفاظها بشكل كبير على سلطة إشكال الدولة والمفهوم الرئيس للميكافيلية، وهو أسلوب فني عانى من الإدارك المتشائم لثبات الطبيعة البشرية. وبالنسبة لفكرته في الأمير، قال ميكافيلي: إن المسرحية تتهمه من خلال محتواها.

تم تعديل مسرحيتين كوميديتين بعنوان ماندراجولا وكليزيا واللتين أخذتا عن بلاوتز وعن بيلفاغور، وهما من أصل شرقي يرجعان إلى ناشيافيلي. وتعتبر الماندراجولا أهم مسرحية إيطالية، وهي هجاء يعري فساد الكنسية وفضائح الجنس القسري للطبقة البرجوازية. وتحكي عن قصة زوجة شابة عفيفة والتغرير بها، وتجسد الماندراجولا تصويرًا للشخصية الرئيسة، من خلال حوار قاس، وعبقرية لا حدود لها من الحبك المتطور بمهارة. لكن قراءات ميكافيلي السياسية وخصوصًا الأمير كان لها أثرها الكبير على الأدب والفكر السياسي. ويدين له كل من اليوت سبنسر والسير والتر رالي وفرانسيس باكون وتوماس هوب. وتم قبول كتبه في وقت مبكر من قبل كليمنت السابع، وقد أدرجت في الفهرس في عام 1559م كنتيجة لاستياء الكنيسة من نقده. وتلقى ميكافيلي هجومًا من قبل جون دون من وجهة نظر دينية، وكذلك من وجهة نظر سياسية من قبل بودين وفردريك العظيم والتي خلفت صورة شائعة بين عامة الناس (والتي استمرت حتى يومنا هذا)، من قبل واضع نظرية شرير. ويحاول الدارسون المحدثون الحكم على أول عالم في السياسة الحديثة، كانت تبصراته وملاحظاته تتسم بعدم الانتظام، لكن مبادئه لها تأثير باق في مسيرة التاريخ الحديث.

مسرد لأهم أعماله:

Machiavelli, Niccolo, The Prince, New American Library, Chicago, USA, 1952.

المراجع:

  • Encyclopedia Americana, International Edition, 1982, S.V. “Machiavelli, Niccolo”.
  • Encyclopedia Britannica, 15th edition, 1981, S.V. “Machiavelli, Noccolo”.
  • Harvey Claflin Mansfield. Machviaelli’s Virtue, Chicago, 1998.
  • Leslie J. Walker and Bernard Crick. Noccolo Machiavelli, Viking, 1985.
  • Maurizio Viroli. Machiavelli, Oxford, 1998.
Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

الشلل الرقمي وتأثيره عالمياً

أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد

تفاصيل »

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ

تفاصيل »