مخاطر صحية في الإدارة السادية!!

تفضلتْ السيدةُ الجليلة نجدية الحجيلان (أم ماجد) حرم السفير عباس غزاوي -يرحمه الله- بإهدائي مجموعةً من الكتب القيِّمة، كان من بينها كتابٌ للدكتور أيمن بدر كريِّم استشاري اضطرابات النوم، إلا أن كتابَه الموسوم (اعترافات موظف فاسد) ليس لعنوانه صلةٌ بالمحتوى، لكنه يجسِّدُ واقعاً مُعاشاً لا يمكن تجاهلُه، حيث ركَّز الكتابُ على اضطراباتِ المجتمع الوظيفي ومشكلاته الإدارية، لا سيما وأن الخللَ واضحٌ جداً في المنظومة الإدارية والتنظيمية والسلوكية للبيئة الإدارية في معظمِ المؤسساتِ والأجهزة الحكومية. وإذا كان الدكتور كريِّم قد غفل -ربما عنوة- عن الفساد الإداري في القطاع الخاص، إلا أنه حاضرٌ بشكل ملموسٍ حتى -بكل أسف- في بعضِ الشركات العائلية.

وفي حقيقة الأمر.. فالفسادُ يكاد يكون سمةً للمجتمعات البشرية يصيبُ العديدَ منها بدرجاتٍ مختلفةٍ وصورٍ متنوعة. ويشيرُ الدكتور كريِّم إلى الخبر الذي تم تداولُه على نطاقٍ واسع بعد نشره في مجلة (كوارتز) على الإنترنت ومفاده: «المدير السيئ قد يسببُ أضراراً صحية كتلك الناتجة عن التدخين»، إذ كلما زادت الفترةُ الزمنية التي تعملُ فيها مع مدير من النوع المزعج أو سيئ الطباع، كانت الآثارُ الناجمة عن ذلك أكثر ضرراً بالنسبة لصحتك البدنيةِ والنفسيةِ، ولعلَّ ما يعززُ هذا القولَ تقريرُ جمعيةِ علم النفس الأمريكية الذي أشار إلى أن 74% من العمال الأمريكيين يُقرُّون أن مديريهم هم أكبرُ سببٍ لمعاناتهم من التوتر في بيئة العمل، وهذا التقريرُ شجع ذوي الاختصاص على المُضي قدماً لإجراءِ الكشف النفسي على أصحاب المناصب القيادية ورصد مظاهر اضطراباتهم الشخصية والسلوكية والعقلية، تجنباً للأثر السلبي لسلوكياتهم المرضيِّة على الصحة، وحماية للعاملين من الأذى الذي سيلحق بهم.

إن عطاءَ الموظفِ مرهونٌ ببيئةِ العمل الخالية من التوتر، والاهتمام بآدمية الموظف لتحقيق أفضل الأجواء للعطاء الوظيفي، ويزداد عطاءُ الموظف عندما يشعر أنه في حماية رئيسه، فلا يُزجُّ به في أية مساءلة أو يتم تحميلُه مسؤوليةَ بعضِ القرارات الخاطئة، أو الزج به في أتون التحقيقات التي تمس كرامتَه من جانب، فضلاً عن أنها تفتحُ صفحةً لبعض المحققين ليقتاتوا من خلال التحقيق للحصول على بعض المنافع بإطالة أمدِ تلك التحقيقات بذريعة الحصول على المزيد من المعلومات والتحقُّق منها!!.

إن مناخاتِ العمل يمكنُ أن تصبح بيئاتٍ ملوثةً بسبب أجواءِ العداءِ والمضايقاتِ التي يتسبّبُ بها بعضُ القياديين، في حين أنها يمكن أن تتحولَ الى بيئاتٍ إنتاجيةٍ تفاعلية لو تم استبدالُ هؤلاءِ القياديين بآخرين أكثر إيجابية وتحفيزاً للعاملين.

يقول جون هولاند العالم الأمريكي الإيرلندي في نظريته الشهيرة القائمة على أهمية التوافق بين السمات الشخصية والميول المهنية: «إن المزاوجة بين أنماط الشخصية وأنماط البيئة التي تشبهها يؤدي إلى الاستقرار المهني والنفسي والتحصيل والإنجاز والإبداع».

فهل يتنبَّه بعضُ القياديين الى ذلك بدلاً من خلقِ بيئاتٍ طاردةٍ وغيرِ صحيةٍ في مؤسساتهم بسبب ساديةِ إدارتهم؟!.

سهيل بن حسن قاضي
صحيفة المدينة

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

القائد والقيادة ونجاح الأعمال

تعد القيادة الأساس في نجاح واستدامة جميع الأعمال المؤسسية الربحية وغير الربحية. القائد الناجح يفوض السلطة وينمي اتخاذ القرارات في الموظفين بشرط أن يكونوا على

تفاصيل »

في زمن تتحول فيه الأفكار إلى ثروات، والعقول إلى سلع يتم تداولها في بورصات خفية… فمن سيكون السيد الجديد لعصر الاقتصاد المعرفي؟

الاقتصاد المعرفي.. حين تصبح العقول هي الثروة الجديدة: نعيش اليوم فيما يعرف بـ «عالم الاقتصاد المعرفي»، عالم تتسارع فيه الخطى وتنقلب فيه الموازين حتى بات

تفاصيل »

النجاة في عالم إداري سريع التغير

في بيئة إدارية تتغير بسرعة غير مسبوقة، لم يعد البقاء مرهوناً بالكفاءة التقليدية وحدها، بل بقدرة المؤسسات وقادتها على التكيف السريع والابتكار المستمر، ويشهد العالم

تفاصيل »