تواجه صناعة المياه في العالم ضغوطًا متزايدة أمام تحديات متصاعدة مثل النمو السكاني المطرد والتوسع في المباني والمنشآت العمرانية والتمويل وتقادم البنية التحتية وارتفاع تكاليف الطاقة وجودة المياه والتغير المناخي بما في ذلك حالات الجفاف والفيضانات وتلوث المياه. ولا ننسى الإسراف في استهلاك المياه، الأمر الذي يمكن أن ينجم عنه عدم كفاية وشح في إمدادات المياه. كما أنَّ ندرة المياه قد تحد من إمكانية الحصول على المياه الصالحة للشرب وممارسة النظافة الأساسية. وعندما تكون المياه نادرة في معظم دول العالم، فقد تفشل أنظمة الصرف الصحي ويزداد معه خطر الإصابة بأمراض وبائية. وتشهد صناعة المياه نمواً مدفوعاً بعوامل مثل التوسع الحضري والصناعي وتحسين البنية الأساسية للمياه والحفاظ على المياه وتقنيات المعالجة والإدارة الذكية لشبكات المياه والتقنيات الرقمية، مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، وتطوير الأنظمة وتوثيق العلاقة مع العملاء. وستكون الممارسات المستدامة والابتكارات التقنية والتعاون العالمي حاسمة في التصدي لتحديات المياه في المستقبل.
الجدير بالذكر أن حجم السوق العالمية في استثمارات صناعة المياه يقارب 329 مليار دولار في 2023، وتشمل مرافق المياه وتقنيات المعالجة والبنية التحتية وتحسين كفاءة خدمات المياه ونظم المراقبة، ومن المتوقع أن تصل السوق إلى نحو 576 مليار دولار بحلول 2032 بمعدل نمو سنوي مركب قدره 4.5 %. ومن المعروف أنَّ المياه تؤثر في كل جانب من جوانب الاقتصاد والحياة المعيشية، ومنها ارتباط الأمن الغذائي بشكل مباشر على توافر المياه، ولذلك فإن وجود إدارة لمخاطر المياه وحماية الموارد المائية لأَمْر في غاية الأهمية. لقد تم توقيع معاهدات دولية لاستخدام المياه في العالم، ومنها ما يقرب من 450 اتفاقية عالمية بشأن المياه الدولية بين عامي 1820 و2007، لكن مع هذا ظل تقاسم المياه مصدرًا للصراع الجيوسياسي. وفي حين أن تعاظم مخاطر صناعة المياه في المستقبل قد ينظر إليه كشيء محتمل، إلا أنَّ الفرص تبقى متاحة للمستثمرين من أجل التعامل مع هذه المخاطر ومعالجتها.
بالإمكان تصنيف مخاطر الاستثمار في صناعة المياه إلى ثلاثة أنواع رئيسة: المادية والاجتماعية والتنظيمية، كما يذكر جيمي نيوتن وناشات موين، أولسبرينج للاستثمارات العالمية، وهي شركة أمريكية تهتم بإدارة الأصول الاستثمارية. وتشمل المخاطر المادية الظروف الطبيعية مثل الفيضانات وانخفاض منسوب الأنهار وارتفاع مستوى سطح البحر وقضايا جودة وإمدادات المياه. وتشمل المخاطر الاجتماعية إمكانية الوصول والتوزيع والإنصاف، حيث اتفاقيات تقاسم المياه بين الدول، التي تمت الإشارة إليها سابقًا، أحد الأمثلة على ذلك. أمَّا المخاطر التنظيمية فتشمل قضايا بارزة مثل حقوق المياه وتخصيص حصصها وتسعيرها وإدارة النفايات وإنفاذ اللوائح والبنى التحتية للمياه. وللاحاطة فإنه غالبًا ما تتداخل وتؤثر الأنواع الثلاثة من المخاطر على بعضها البعض، حيث يمكن أن تؤدي المخاطر المادية، مثل ندرة المياه، إلى مخاطر اجتماعية مثل معارضة المجتمع. وعلى أيَّ حال فحيثما توجد مخاطر، فإن هناك أيضًا فرصا واعدة للمستثمرين للتعامل مع مختلف مخاطر المياه ومعالجتها.
على سبيل المثال، تعد عوائد الاستثمار في المياه والصرف الصحي مرتفعة، وتقدر منظمة الصحة العالمية عائدًا يبلغ حوالي 4.30 (في المتوسط عالميًا) يتم استثماره من خلال زيادة الإنتاجية وخفض تكاليف الرعاية الصحية. بينما تشير مراجعة السندات الخضراء في أمريكا اللاتينية، التي يتم تخصيص عائداتها على وجه التحديد للمشاريع البيئية وللمياه النظيفة وللصرف الصحي ولمعالجة مياه الصرف الصحي ولكفاءة استخدام المياه ولمشاريع التخزين. وفي حين إن الجوانب المختلفة لمخاطر الاستثمار في صناعة المياه كانت ولا تزال جزءًا من النقاش الساخن وعمليات صنع القرار، إلا أن الضغوط المتزايدة والتغير المناخي يتطلبان النظر في هذه المخاطر بطريقة منهجية ومتسقة.
أ.د. عصام بن عبدالعزيز العمار
الأقتصادية – أبريل 2024