بيرتالانفي، لودفيج فون

سيرته الذاتية:

ولد بيرتالانفي، لودفيج في النمسا في عام 1901م وتوفي في عام 1971م في كندا. تلقى تعليمه في جامعة فيينا وحصل على الدكتوراه في كل من الأحياء وعلم النفس في عام 1926م. كان أستاذًا أو أستاذًا زائرًا في جامعة فيينا، وجامعة لندن، وجامعة ألبرتا، وجامعة جنوب كاليفورنيا وجامعة ولاية نيويورك، والكثير من الجامعات الأخرى. انتقل في عام 1949م إلى كندا وأصبح مواطنًا كندياً. وعاش طيلة السنوات الباقية من حياته في كندا وفي الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن عمله الأساسي في الأحياء والكيمياء العضوية، فقد أكتسب شهرته نسبة لإسهاماته في فلسفة العلم. لقد كان مؤسس ومحرر الكتاب السنوي لجمعية بحث الأنظمة العامة. وقد عرف بأنه مؤسس نظرية النظام العام.

مساهماته:

نظرية النظام العام هي اتجاه ثوري ضمن فلسفة العلم. وترتكز هذه الثورة في شق منها على الفكرة القائلة بأنه من الأفضل دائمًا أن تدرس الأنظمة ككينونات كاملة بدلاً من تقسيمها إلى عدة أجزاء. وهذا الأسلوب يمكن أن يتميز بالعبارة التي تفيد بأنه يوجد هناك العديد من الكينونات التي يمكن دراستها، حيث إنه ليس من الصحيح أن فهم أجزاء الكينونة يوضح الكل، لكن على العكس فإن الكل يخلق فهمًا للأجزاء. وهكذا فإن عبارة “إن الكل يعتبر أكثر من جمع الأجزاء” تكتسب معنى جديدًا. وهذا المعنى هو: إن الاتجاه المناسب للتفسير لا يكون دائمًا من الجزء إلى الكل. وبالنسبة لكينونات معينة فإنه يمكن الحصول على فهم أكثر من خلال توجيه التفسير، بحيث إنه من خلال فهم النظام الكلي يمكننا فهم الأجزاء بشكل أفضل.

والعلامة المميزة الأخرى المهمة في نظرية النظام العام هي بين الأنظمة المغلقة والأنظمة المفتوحة. الأنظمة المغلقة هي تلك الأنظمة التي تكون معزولة عن التفاعل مع البيئة والتي يمكن أن يكون سلوكها محددًا بشكل دقيق. ومثال ذلك الأجسام الدقيقة التي توضع في وعاء فيه غاز. ويسمى سلوك هذه الأجسام الدقيقة حركة براونيان. وفي سلوك الأنظمة المغلقة نرى أن هذه الأنظمة تتبع قوانين الديناميكية الحرارية، وتتميز بالأنتروبيا. والكثير من علم الفيزياء التقليدية قد كرس لوصف الأنظمة المغلقة. ولأن الفيزياء قد نجحت نجاحًا كبيراً، فقد لقيت تنافسًا من بعض مجالات العلوم الأخرى والتي حاولت الاستعانة بهذه الطرق. وهذه النظرية لم تثبت نجاحها في الأحياء وعلم النفس أو في العلوم الاجتماعية، لأنها تتعامل مع أنظمة مفتوحة. والأنظمة المفتوحة هي تلك الأنظمة التي تتفاعل مع بيئتها، وتأخذ طاقتها منها وتتكيف معها، وتحمي نفسها وتحافظ عليها من خلال تطور متقدم للنظام في هيكله ووظيفته. وكثيرًا ما تبدي الأنظمة المفتوحة انتروبيا سلبية.

ليس من السهل توضيح ماذا يعني مصطلح نظام في نظرية النظام العام. إن المصطلح واسع بما فيه الكفاية لدرجة أنه يمكن أن يستوعب خلية نحل أو لغة أو حلاً كيمائيًا أو حتى حكومة. والتعريف الذي جاء به رابورت يمكن أن يخدم كذلك أي مجال. وقد صرح قائلاً إن النظام هو: شيء يشتمل على مجموعة (متناهية أو لا متناهية) من الكينونات، ضمن مجموعة من العلاقات المحددة، حيث إن الإنقاص يكون ممكنًا من بعض العلاقات إلى الأخرى أو من العلاقات بين الكينونات إلى السلوك أو تاريخ النظام (الموسوعة العالمية للعلوم الاجتماعية، مجلد 14، ص 435).

وما اكتشفه بيرتالانفي (وآخرون) هو أن هناك انتظامًا في عمليات الأنظمة المعقدة والتي يمكن رؤيتها على أنها متناظرة أو موازية للعمليات التي يمكن أن نجدها في أنظمة معقدة أخرى. ومثال لهذا النظام هو النمو. نمو رأس المال بواسطة الفائدة المركزية، أو نمو البكتيريا أو نمو السكان كما تنبأ به مالثوث، فكلها تظهر خصائص متشابهة لكونها تمثل دليلاً على غياب القيود الخارجية. إن هدف نظرة النظام العام هو أن قوانين الأنظمة يمكن أن تبدأ لتعرف كجزء من أنظمة محددة وتوجد فيها. وباطلاعنا على هذه القوانين يمكننا أن نبحث عنها في الأنظمة الجديدة المعقدة التي نصادفها، وذلك بخلق إمكانات جديدة للتفسيرات.

والطريقة الأخرى لفهم نظرية النظام العام هي مقارنتها مع الفلسفة التقليدية للعلم. وقد تميز المنهج التقليدي للعلم بأنه أصبح تحليليًا مصغرًا مع هدف اكتشاف الأجسام الدقيقة الأساسية المرتبة في سلاسل سببية خطية. وهذا المنهج العلمي – الذي أثبت فعاليته العالية في الفيزياء والكيمياء في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين – لم يكن ناجحًا جدًا في فروع أخرى من العلم مثل الأحياء أو علم النفس أو علم الاجتماع. ويقدم هذا المنهج رؤية للعالم بوصفه ظاهرًا للعيان ومحكومًا بأحداث ميكانيكية وفيه نوع من الإجحاف، بحيث تكون كينونات مثل الحكومات والقيم والأفكار أقل أصالة من الصخور، والعناصر والذرات. ولا تزال هذه الرؤية للعالم قوية جدًا، وبرغم ذلك يمكن أن ترى على أنها نتيجة منطقية للافتراضات التي تقف وراء هذا المنهج، وليس غير ذلك.

إن نظرية النظام العام تعتبر ثورة علمية حسب وصف توماس كون في كتابه بنية الثورة العلمية. وهناك عدة أفكار مهمة برزت في العلوم الإنسانية والبيولوجية، تفيد بأن العلم التقليدي إما أنه فشل في التعامل مع ذلك النظام أو تم تجاهله. ومن أمثلة هذه الأفكار: النمو، أو النشاط الهادف، التكييف، الرقابة أو القيم. وبتركيز النظرية على وصف الأنظمة المفتوحة وبتحليلها للكل نحو جانب من اتجاه التفسير، فإن نظرية النظام العام لها معان إنتاجية من التعامل مع هذه المفاهيم المهمة.

وهذا الوصف المطول لنظرية النظام العام يكون ضروريًا لفهم أهمية بيرتالانفي لأهمية مجال الإدارة العامة. وصفت الإدارة العامة بأنها مهنة، وفن وعلم. وصلتها ليست قوية بما فيه الكفاية بالعلم مقارنة بالاثنين. لذلك لدينا نقد في الإدارة “وأمثالها” التي أتى بها هيربرت سايمون “أمثال الإدارة”، (مجلة الإدارة العامة، مجلد 6)، وشكوك روبرت دال في كتابه (“علم الإدارة العامة: ثلاث مشكلات”، مجلة الإدارة العامة، مجلد 7، رقم 1)، والدفاع من قبل دويت والدو (عمل الإدارة العامة، دار نشر شاندلر آند شارب المحدودة، 1980م، الفصل الثاني). ومن خلال إدراك أن حالات عدم الاطمئنان عن المفهوم المحدد للإدارة العامة الذي نجم عن القيود المفروضة ذاتيًا في منهج الفلسفة التقليدية للعلم على العكس من كونها ناجمة عن عيب ما في مجال الإدارة العامة نفسها، ويمكن إنفاق القليل من الوقت لكسب الوعي الذاتي.

وبشكل عام فإن غالبية الكينونات التي لها اهتمام بالإدارة العامة عبارة عن أنظمة مفتوحة. فكل الحكومات والمؤسسات والوزارات والمنظمات والجماعات…إلخ تكون في حالة تفاعل ديناميكي مفتوح مع بيئتها. فمن المؤكد أن مفاهيم نظرية النظام العام لها تأثير متزايد على فهمنا للإدارة العامة. وهذا النموذج يفتح آفاقًا جديدة من البحث والتي لم تكن قد لقيت التشجيع من قبل المناهج التقليدية. ويمكننا أن نرى مثالاً لذلك في وصف جورج فرديركسون “عملية تبادل الحدود” (نحو إدارة عامة جديدة: نظرة مينوبروك، حررها فرانك ماريني، 1971م) والتي وصف فيها العلاقة بين المنظمة المدارة بشكل عام والعميل الذي تخدمه ويخدمها.

ربما يكون العائق الأكبر لإحداث تأثير أعظم في نظرية النظام العام في حقل الإدارة العامة هو أن المديرين لا يتعرضون لها كثيرًا أثناء تدريبهم العملي. وهناك قدر كافٍ من الاطمئنان فيما يتعلق بالمفاهيم المتصلة بالأنظمة وفي الوصف الرياضي لهذه المفاهيم لشغل مقرر بمعزل عن مقرر المنهج المضمن في المنهج الدراسي المألوف للإدارة العامة.

مسرد لأهم أعماله:

  1. Bertalanffy, Ludwig Von, General Systems Theory, New York, George Braziller, 1968.
  2. Bertalanffy, Luding Von, “The World of Science and the World of Value” Teachers’ College Record 65 (1964):498.
  3. Bertalanffy, Luding Von, “The History and Status of General Systems Theory in Trends in General Systems Theory, Edited by George J. Klir (NY: Wiley-Interscience, 1972).
  4. Bertalanffy, Luding Von, “The Theory of Open Systems in Physics and Biology” Science III (1950):25.

المصدر:

د. إبراهيم علي ملحم (2008)، علماء الإدارة وروادها في العالم: سير ذاتية وإسهامات علمية وعملية، (القاهرة: المنظمة العربية للتنمية الإدارية).

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

القائد والقيادة ونجاح الأعمال

تعد القيادة الأساس في نجاح واستدامة جميع الأعمال المؤسسية الربحية وغير الربحية. القائد الناجح يفوض السلطة وينمي اتخاذ القرارات في الموظفين بشرط أن يكونوا على

تفاصيل »

في زمن تتحول فيه الأفكار إلى ثروات، والعقول إلى سلع يتم تداولها في بورصات خفية… فمن سيكون السيد الجديد لعصر الاقتصاد المعرفي؟

الاقتصاد المعرفي.. حين تصبح العقول هي الثروة الجديدة: نعيش اليوم فيما يعرف بـ «عالم الاقتصاد المعرفي»، عالم تتسارع فيه الخطى وتنقلب فيه الموازين حتى بات

تفاصيل »

النجاة في عالم إداري سريع التغير

في بيئة إدارية تتغير بسرعة غير مسبوقة، لم يعد البقاء مرهوناً بالكفاءة التقليدية وحدها، بل بقدرة المؤسسات وقادتها على التكيف السريع والابتكار المستمر، ويشهد العالم

تفاصيل »