سيرته الذاتية:
غوليك، لوثر هالسي، ولد لأبوين يرعيان إرسالية في أوساكا باليابان في 17 يناير 1892م وتوفي عام 1990م. وشملت أنشطة وإسهامات أبويه تأسيس معسكر النار للفتيات عام 1910م. ونسبة لمولده في بلد أجنبي، تأخر استخراج شهادة ميلاده الأمريكية، ووقع عليها في النهاية وزير الخارجية عام 1918م. وحصل على درجة البكالوريوس في الآداب من كلية أوبرلين عام 1914م، ودرجة الماجستير في الفنون عام 1915م، كما حصل على شهادة من كلية تدريب الخدمة العامة عام 1921م. وتحول جزء من برنامج هذه الكلية فيما بعد إلى جامعة سيراكوس، وأصبحت كلية ماكسويل للمواطنة العامة.
واشتملت درجات الشرف التي حصل عليها: الدكتوراه في الآداب عام 1939م من كلية أوبرلين، والدكتوراه في الحقوق من كلية ويتمان عام 1952م وجامعة كولومبيا في عام 1954م. أما وظيفته الجديرة بالملاحظة فهي عمله الأكاديمي بروفيسورًا لعلم الشئون البلدية والإدارة في جامعة كولومبيا من عام 1931- 1942م.
واشتملت خبرته العملية عضويته للهيئة المالية لمكتب نيويورك للدراسات البلدية من 1915- 1917م، حيث عمل مديرًا للمكتب عام 1920م، وأسس معهد الإدارة العامة، ثم خدم مع العمدة روبيرت واغنر إداريًا لمدينة نيويورك من 1954-1956. وتقلد أيضًا العديد من المناصب محاضرًا في جامعة كولومبيا من 1921- 1935 م، ومع حكومة الولايات المتحدة من 1939- 1946م، ورئيسًا لمعهد الشئون الحكومية من 1955- 1961م. وعمل بروفيسورًا في جامعة كولومبيا من 1935-1945م. وعند استعراضنا لسجله الوظيفي والمهني، نجد أن عمله غطى الفترة من 1915م حتى آخر إسهاماته. وعمله مع الحكومة كان واسعاً، وسيتم التطرق إليه بتفصيل أكثر لاحقاً.
وشملت درجات الشرف والجوائز: حصوله على ميدالية بتلر من جامعة كولومبيا عام 1939م، وإشادة من الجمعية الأمريكية للإدارة العامة عام 1964م، وتوصية من كلية أوبرلين، وعضوية الجمعية الوطنية للتخطيط، والجمعية الوطنية لمراكز الاستجمام، وجمعية أودبون الوطنية، وجائزة التطوع الوطنية من قبل الجمعية الوطنية للمتنزهات ومراكز الاستجمام عام 1972م، وميدالية من الجمعية الوطنية للتخطيط، وعمل رئيسًا للجمعية الأمريكية للإدارة العامة وكذلك للجمعية الأمريكية للعلوم السياسية. وإضافة إلى ذلك فهو متسلق جبال سابق ويزاول رياضة قيادة اليخوت، وقد كان رجلاً نشطًا ومفعمًا بالقوة وحلو المعشر حتى وفاته عام 1990م.
مساهماته وتأثيره:
تسجل لغوليك مساهمات جليلة، سواء أكان ذلك أثناء خدمته في الحكومة أم في حقل الإدارة العامة.
مساهماته أثناء الخدمة الحكومية:
عمل غوليك، لوثر في الفترة من 1931- 1946م مستشارًا للعديد من الأجهزة الحكومية والبحثية في الولايات المتحدة وخارجها. وعمل مع فرانكلين روزفلت قبل أن ينتخب حاكمًا لنيويورك، واستمر يعمل معه كواحد من مستشاريه المهمين خلال فترة رئاسته. والقائمة طويلة بمشاركته النشطة في جهود الحرب في هذا البلد، وتشمل عمله في وزارة الحرب، ومجلس الإنتاج الحربي، ووزارة الخزانة، ومكتب التخطيط التنظيمي، وإدارة الأمم المتحدة للغوث وإعادة التأهيل، ووزارة التجارة، ومكتب الميزانية، وهيئة موظفي البيت الأبيض.
وتضمنت مسئولياته العملية تنسيق برامج ما بعد الحرب، وتأسيس وتطوير خطط إعادة التنظيم، ووضع الهياكل التنظيمية، وإدارة دراسات العلاقات المالية والولاية والمقاطعة، وتنظيم إدارة شئون الموظفين، وتقلده لمناصب إدارية عليا، وعمل مساعدًا في الشئون الإدارية. ويعتبر قدوة وجزءًا من تاريخ الولايات المتحدة، فقد قام في برلين – بألمانيا – بإجراء دراسة لملجأ هتلر للوقاية من القنابل، واكتشف ملفات هتلر والتي تضمنت تفاصيل وتقارير شاملة للأحداث الخاصة بإعدام اليهود يومًا بيوم. واستخدمت هذه الملفات كجزء من الأدلة في محاكمات جرائم النازية في نورنبرج. كما حاضر بشكل مكثف في الإدارة الحكومية في العديد من الجامعات.
مساهماته في مجال الإدارة العامة:
غوليك هو مؤسس وأول رئيس لمعهد الإدارة العامة. ومن الأمريكيين البارزين الذين عملوا في هذا المجلس هيربرت هوفر، والذي استمر مديرًا نشطًا خلال فترة عمله رئيسًا للولايات المتحدة. وعرف غوليك بعميد الإدارة العامة الأمريكية.
وابتكر في عام 1937م في كتابه بحوث في علم الإدارة، والذي كتبه مع ليندال يورويك تركيبته من الحروف الأولى الشهيرة POSDCORB التي تصور بدقة وظائف الإدارة. والتركيبة تشكل الحروف الأولى للأنشطة التالية:
- التخطيط Planning.
- التنظيم Organizing.
- التوظيف Staffing.
- التوجيه Directing.
- التنسيق Coordinating.
- إعــداد التقارير Reporting.
- إعداد الميزانية Budgeting.
وبرغم ذلك فقد حدث سوء فهم عما كان يدافع عنه في الثلاثينيات.
واتصفت التركيبة POSDCORB كتصميم إداري منطقي وعقلاني صارم، وليس له صلة بالمفاهيم التي يمثلها التركيز الحالي على القيم الإدارية وما شابهها. ويرى غوليك أن القيم والأخلاقيات والتعاون وما يماثلها يجب دمجها في صناعة القرار الإداري. ويرجع الفضل لماري فوليت لتنبيهها غوليك لهذه المفاهيم.
ونظرًا لغياب بعض الوظائف في تركيبة POSDCORB مثل القيم والأخلاقيات والتعاون، فإن دكتور غوليك يعتقد أننا نحتاج لتركيز انتباهنا في بعض الأوجه الجديــدة. وعلاوة على ذلك يجب دمج المزيد من التفكير السلوكي في الإدارة العامة وبعض المفاهيم الأخرى ذات الصبغة الإنسانية. وهو يشعر الآن أن هناك حاجة لموظفيـن عامين يتمتعون بمعايير أخلاقية رفيعة، ويعملون على تطوير القيم الإنسانية، ويعملون في المكشوف، ويتمتعون بدرجة عالية من الأحاسيس والاهتمام العميق بكرامة من يخدمونهم.
وكان الدكتور غوليك في عام 1981م ما يزال يعبر عن اهتمامه وعنايته بالحكومة. فالعاملون في الحكومة يحتاجون ليكونوا أكثر وعيًا بعواقب أي سلوك غير سوي والعلاقات المتبادلة والاتكالية التي تمارس عند اتخاذ القرارات الحكومية. واهتم أيضًا بالقضية العامة المتعلقة باللامركزية في الإدارة. وناقش موضوع “مبدأ الطرف الثالث”. ويحدث ذلك عندما يتم تخلي أحد الأطراف عن خدمة وأخذ مقابل لها، ويكون الطرف الثاني قد تلقى الخدمة دون أن يدفع مقابلها، ويقوم الطرف الثالث بدفع القيمة التي حاسب عليها الطرف الثاني. وهذا يخلق مشكلة يصعب حلها بالنسبة للإدارات الحكومية، ويسبب ذلك الغضب والضيق “للطرف الثالث” أو لدافع الضرائب. والعلاج الذي اتخذه د. غوليك لهذا الوضع هو أن يعرف المستفيد ما هي التكلفة، وأن يساهم إلى حد معين في وضع جزء من التكلفة نظير الخدمة.
كان لغوليك تأثير إيجابي على مفكرين وكتاب آخرين في مجال الإدارة العامة على مدى خمسين عاماً. وقد قضى جل عمره في إحداث توافق ناجح في ممارسة الإدارة العامة مع البحث والدراسة في هذا المجال. وأسهم بمعرفته وخبرته لصالح الآخرين. وقد رسخت بحوثه وكتاباته إرثًا للحاضر والمستقبل. ونلمس تأثيره في الحكومة وفي عملية صناعة القرار العام من خلال إسهاماته في برنامج الرئيس روزفلت الحكومي الشامل للإنعاش الاقتصادي الذي سمي (New Deal). وساعد في تعليم الموظفين في دواوين الحكومة كيف يضعون ميزانية وكيف ينظمون إدارة شئون المستخدمين. وأثر إحساسه المتفائل في زمن اشتهر بالتعبيرات الساخرة من قبل المواطنين تجاه الحكومة وتمردهم على الضرائب، والإنقاص من شأن الإدارة على المهتمين بمجال الإدارة العامة. وحافظ من خلال الجمعية الأمريكية للإدارة العامة A.S.P.A على الاتصال بكل المفكرين والكتاب بجميع مستوياتهم.
وكان لنظرية غوليك الخاصة بالمنظمة علاقة بتنظيم التنسيق الذي فرض على وحدات شعب العمل في المؤسسة التجارية. وفي الواقع فإن شعبة العمل هي أساس المنظمة والسبب للتنظيم. واستمر الكتاب والمفكرون منذ الثلاثينيات في الانكباب على نظريته الأصلية، واتخذوها أساسًا لفهم الإدارة الجيدة والإدارة العامة. ولا يزال العديد من تعريفات الإدارة الحالية يتضمن بعضًا من العناصر التي جاء بها غوليك، وتوضح اهتمامه بالمستقبل.
وفي كتابه المشكلات الحضرية والأفكار الأمريكية The Metropolitan Problems And American Ideas، يقترح غوليك فلسفة للحكومة الحضرية تدعو للتخطيط المشترك وتعاون كل السلطات في مختلف المستويات الخاصة والمحلية والولاية والقومية، ويعبر فيه عن أن هناك علاقة محكمة بين حل المشكلات وأمور مهمة مثل التنسيق والتعاون، وهذا ما عبر عنه في أعمال أخرى أيضاً. إن التغيير في الاقتصاد والاعتراف بكل المستويات ذات الاحتياجات المتبادلة أمور مهمة – أيضًا – عبر عنها في كتب مثل كتاب الميغاترندز “”Megatrends, 1982 والذي كتب بعد نحو عشرين سنة لاحقة.
يحسب لغوليك أنه فرد شارك في صناعة التاريخ وفي تطوير مجال الإدارة العامة. وامتد عمله على مدى فترة طويلة من الزمن. وكان طوال حياته مهتمًا بمستقبــل الإدارة العامة حتى وفاته. واشتملت أفكاره – فيما يتعلق بالتغييرات التي رآها في هذا المجال – على التكهن بحدوث تركيز متزايد في الخدمة، والقيم الإدارية ورفاهية الجنس البشري. وهذا بالتأكيد يتماشى مع تنبؤ جون نايسبت عن الميول ذات التقنية واللمسة الرفيعة في المستقبل، والتي قادت إلى النزعة والتوجه إلى مجال الإدارة العامة.
مسرد لأهم أعماله:
- Gulick, Luther Halsey. Report of the Commission of Inquiry on Public Service Personnel, 1935.
- Gulick, Luther Halsey. Papers on the Science of Administration, 1937.
- Gulick, Luther Halsey. Administrative Reflections from World War II, 1948.
- Gulick, Luther Halsey. American Forest Policy, 1951.
- Gulick, Luther Halsey. Modern Management for the City of New York, 1953.
- Gulick, Luther Halsey. The Coming Age of Cities, Second Annual Wherrett Lecture on Local Government, 1956.
- Gulick, Luther Halsey. Metro: Changing Problems and Lines of Attack, 1957.
- Gulick, Luther Halsey. The Metropolitan Problems and American Ideas, 1962.
- Gulick, Luther Halsey. Program Planning for National Goals, 1996.
- Gulick, Luther Halsey. The Metropolitan Problem and American Ideas. New York: Alfred A. Knopt, 1966.
المصدر:
د. إبراهيم علي ملحم (2008)، علماء الإدارة وروادها في العالم: سير ذاتية وإسهامات علمية وعملية، (القاهرة: المنظمة العربية للتنمية الإدارية).