سيرته الذاتية:
ولد ماسلو، أبراهام في بروكلين في ولاية نيويورك عام 1908م من والدين غير متعلمين مهاجرين من روسيا، وتوفى عام 1970م، وقام والدا ماسلو بتشجيعه على دخول كلية القانون، ودخل كلية مدينة نيويورك، ومكث فيها سنة ولم تعجبه وترك الدراسة فيها، ثم التحق بجامعة كورنيل، ثم التحق بجامعة وسكونسون لدراسة علم النفس الذي جذبه، وخاصة علم النفس السلوكي في مجال العمل والمنظمات. وحصل على شهادة الدكتوراه عام 1934م. ويعتبر ماسلو من أعظم علماء النفس منذ سيجموند فرويد، وهو معروف من خلال تطويره لسلم الحوافز والذي نشر في مقالة له عام 1943م بمسمى نظرية الحوافز الإنسانية ( A Theory of Human Motivation, 1943) والذي أوضح السلم الهرمي للاحتياجات الإنسانية وحدده في خمسة مستويات أو احتياجات، الاحتياج الأول والأساسي مثل الحاجة للطعام والشراب، وعندما يتم إشباع هذا الاحتياج يكون الحافز الثاني البحث عن الأمن الجسمي والوظيفي والمهني، والاحتياج الثالث الحاجة إلى الحب والحنان والانتماء، والاحتياج الرابع الحاجة إلى الاعتزاز بالنفس والشعور بتقدير الذات شخصيًا ومن الآخرين، والاحتياج الخامس والأخير تحقيق الطموح عن طريق النمو والتطور وتحقيق المكانة المهنية والاجتماعية. وكان مثله مثل فرويد، فقد كون لنفسه مدرسة مهمة في فكر علم النفس. وعرفت هذه المدرسة بالمدرسة الإنسانية أو القوة النفسية الثالثة، وتشتمل على كل من المناهج الفرويدية والمناهج الأخرى المهمة في دراسة علم النفس الإنساني، ونظرية السلوكية.
إن انطلاق ماسلو من نظرية السلوكية على وجه الخصوص يعتبر مثيرًا للانتباه، فقد حصل على كل درجاته العلمية من جامعة وسكونسون التي تعتبر من أهم المراكز في المنهج السلوكي. وقد درس على يدي هنري هارلو وشارك في دراساته الشهيرة “دراسات الأم البديلة للقرد”. وعادة ما يهتم علماء السلوك بإجراء البحوث التجريبية على الحيوانات، حيث انعكس التأثير القوي لهذه البحوث على ماسلو في أطروحته التي أعدها للدكتوراة بعنوان (خصائص السيطرة الجنسية للقرود) Sexual and Dominance Characteristics of Monkey.
ترك ماسلو وسكونسون بعد التخرج ليصبح بروفيسورًا في علم النفس في كلية كولومبيا للمعلمين وعمل مع العالم والمنظر المشهور E.L. Thorndike. بعد كولومبيا درَّس ماسلو في كلية بروكلين 14 عامًا، ثم انتقل ماسلو للتدريس في جامعة برانديزعام 1951م وبقي فيها حيث عمل أيضًا رئيسًا للقسم هناك حتى قبيل وفاته عام 1970م بقليل. وعندما بدأت شهرته تلقى عدة عروض للتدريس في جامعات أخرى لكنه رفضها مفضلا الحرية في الكتابة، والتي أتاحتها له وظيفته بجامعة برانديز. وخلال الأعوام التي قضاها في كلية بروكلين، تأثر تعليم ماسلو غير الرسمي بالتاريخ بشكل مثير جدًا. فلقد هرب خيرة المفكرين الأوربيين من بطش هتلر، وأصبحت نيويورك “عاصمة العالم لعلم النفس”. لقد التقى ماسلو ودرس بشكل عملي مع كل علماء النفس البارزين وعلماء الاجتماع في تلك الفترة. ومن ضمنهم: ايريك فروم، وروث بينديكت، وكارل روجر، ومارغريت ميد، وألفريد إدلر، وماكس ريثمر، وروللو ماي. واشتهر ماسلو بغزارة الإنتاج، وبكتابه الكلاسيكي الذي نشر عام 1958م “الحوافز والهوية الشخصية” Motivation and Personality, 1958، و”نحو علم نفس للذات” Toward a Psychology of Being, 1962. الذي نشر أول مرة عام 1962م. وعمل رئيسًا لتحرير العديد من الصحف، كما عمل رئيسًا لجمعية علم النفس الأمريكية.
مساهماته:
لقد هيمنت مدرستان رئيستان على دراسة وفكر علم النفس الإنساني في فترة ما بعد عام 1954م. فقد اتجهت الفرويدية لدراسة المرض العقلي وأبعاده الكيمائية والجسمية. وبحثت في العقل واللاوعي وجوهر الإنسان، والدوافع الغريزية. وكانت الأدوات الرئيسة السريرية لعلماء النفس هي تحليل الحلم وتداعي المعاني الحرة. كما حاولت السلوكية – لمؤسسها الرئيس جون واطسون – إجراء دراسة للسلوك كهدف، وللجانب العلمي كاحتمال. وبحث السلوكيون أثر البيئة على الإنسان، معتمدين بشكل كبير على الدراسات على الحيوان.
وعلى الرغم من أن ماسلو لم يرفض أيًًّا من المدرستين الفكريتين تماماً، فقد حاول دمجهما مستخلصًا منهما العناصر المفيدة ليضيفها إلى نظريته “القوة الثالثة”. ولقد شعر أن المنهجين الفرويديين لدراسة منهج السلوك المنحرف والفاسد ودراسة نقص المعدل الإحصائي على “ما يمكن أن يكون أو ما يجب أن يكون” – قد أفرطا في التركيز على استمرارية الإنسان مع عالم الحيوان، ولذلك أهمل هذه الخصائص التي تجعل الإنسان متفرداً. كان ماسلو يؤمن بأن الكثير يمكن تعلمه من دراسة الناس الأسوياء والناضجين على نحو استثنائي. وقد شعر أن نظرية شاملة للسلوك يجب أن تشمل المحددات الداخلية أو الجوهرية. وجادل من أجل دراسة الفرد بشكل شامل، وليس الأجزاء المكونة فقط. وهذا المنهج الشمولي يجب أن يتضمن أيضًا المفاهيم السلوكية التي تم تجاهلها في السابق، كالمتعة والجمال والابتهاج والسعادة. وكان يعتقد أن المسائل المعنوية والأخلاقية تكمن في داخل عالم الطبيعة وينبغي تضمينها في أية دراسة للسلوك، وليس العالم النقيض.
واكتسب منهج ماسلو الإنساني شعبية كبيرة. وقيل إنه تمت برهنته في العديد من المؤسسات العلاجية، مثل سينانون وفي برنامج إعادة تأهيل مدمني المخدرات، وفي معهد اياساليم، وهو واحد من أفضل المراكز المعروفة التي تطبق أسلوب مقابلة المجموعة في العلاج النفسي.
دراسة تحقيق الذات:
عرف ماسلو الشخص الذي يحقق ذاته بأنه شخص يستخدم كل إمكاناته من الموهبة والقدرة العقلية. وينظر إلى مثل هؤلاء الأفراد بأنهم يحققون ذواتهم ويؤدون أفضل ما يمكن أن يؤدوه، فهم لا يعانون من اضطرابات نفسية أو عصبية أو عقلية. وبدراسة مثل هؤلاء الأفراد شجع ماسلو علم النفس على دراسة الإمكانات الإنسانية وتعلم الأساليب الفنية الضرورية لاكتساب هذه الأنشطة. وقد حاول هو نفسه دراسة الأشخاص المحققين ذاتيًا، وشعر أنهم يشكلون نسبة مئوية ضئيلة من العدد الكلي للسكان، بمقدار كسر عشري من واحد في المائة.
نظرية الاحتياجات الأساسية:
اشتهر ماسلو بنظرية الاحتياجات الأساسية وكيف إنها تحفز الأفراد. وهو يعتقد أن الكائن البشري محفز بواسطة عدد من الاحتياجات الأساسية المتنوعة وغير القابلة للتغيير، وهي تكون وراثية أو غريزية في الأصل. وخلافًا للمنظرين السابقين، فهو يعتقد أن الغرائز لا تكون بالضرورة سيئة، بل يمكن أن تكون سلبية أو إيجابية. وقد اعتقد أن هذه الاحتياجات يمكن اكتشافها بشكل عام، ويرغب فيها حسب الترتيب الهرمي. وأغلب الاحتياجات الأساسية هي احتياجات جسمية مثل الحاجة إلى الطعام والجنس والأوكسجين والسوائل. ويعتقد ماسلو أنها حوافز قوية، وإذا لم يتم إشباعها طغي تأثيرها على سلوك الإنسان. ومتى ما تم إشباع الاحتياجات الفيسولوجية، يحفز الإنسان من خلال حاجته للأمان، لينعم بالعيش في عالم يتمتع بالنظام والاستقرار. ومن غير النجاح في استيفاء هذه الاحتياجات يصبح الشخص قلقًا ولا يشعر بالأمان. إن تحقيق مستوى من الأمان يزيد من الاحتياج إلى الحب والعطف والتملك والانتماء. وقد اعتقد ماسلو أن ذلك مجال تحت البحث الشامل للسلوك الإنساني. ويأتي الاحتياج للتقدير بعد ذلك وفقًا لهذا التسلسل الهرمي. ويشمل ذلك كلاً من التقدير الذاتي والتقدير من قبل الآخرين والمكانة الاجتماعية. والتقدير يشمل احتياجات مثل الرغبة في الكفاءة والتفوق والثقة بالنفس والاستقلال. ويأتي في المستوى الأعلى من التسلسل الهرمي لماسلو احتياج لأن يكون الإنسان ذا قيمة أو شأن، أو “القيم الذاتية”. ويؤدي إشباع هذه الاحتياجات إلى تحقيق الذات. وتشمل احتياجات النمو الاحتياجات الجمالية والكفاءة الذاتية، والرغبة في المعرفة والفهم. ويعتقد ماسلو أن نظريته مدعومة بدليل عملي يتجلى في الممارسة السريرية. وهو أيضًا يعتقد أن الفلاسفة تاريخيًا راقبوا ولاحظوا هذه الظاهرة.
إدارة الطب النفسي:
كان لعمل ماسلو درجة عالية في تطبيقه في أوضاع إدارية مختلفة. فعلى وجه الخصوص تبني ماكغروغر عمل ماسلو عندما صاغ نظريته الإدارية. وتم تطبيق عمل ماكغروغر وكذلك عمل بيتر دركر بتفاصيل كبيرة جدًا في شركة أنظمة نونلينير المحدودة، وفي مصنع في ديل مار بكاليفورنيا. ودرس ماسلو في عام 1962م إدارة هذا المصنع التي قادته إلى وضع كتابه إدارة الطب النفسي Eupsychian Management. كما صاغ ماسلو مصطلح الطب النفسي للإشارة إلى المؤسسات ذات الصبغة الإنسانية. وكان ماسلو يؤمن أنه في معظم الحالات يمكن أن تلد الإدارة الجيدة عمالاً أفضل يتمتعون بمستوى عال من تحقيق الذات. وقد آمن بأن ضغط المنافسة يمكن أن يقود في النهاية معظم الأعمال التجارية لتشتغل ضمن طريقة نظرية الواي. إن الإدارة عتيقة الطراز آخذة في أن تصبح مهجورة، ووضع المؤسسة التجارية هو وضع أقل فائدة في المنافسة مع المؤسسات التجارية الأخرى في النشاط الصناعي نفسه، والذي يكون تحت إدارة تنويرية، فالنتيجة هي الحصول على منتجات أفضل وخدمات أفضل. إن نظريات ماسلو الأساسية يمكن أن نجدها تنعكس في العديد من الأعمال التجارية الأمريكية. ولقد تأثرت أعمال كي وكريس أرغييس ورينسيس ليكرت وريتشارد فارسون بدرجة كبيرة بنظريات ماسلو.
مسرد لأهم أعماله:
- Maslow, A. H. Memorial Volume. Brooks/Cole, 1972.
- Maslow, A. H. “Cognition of Being in the Peak Experience.” Journal of Genetic Psychology 94 (1959) 43-66.
- Maslow, A. H. Dominance, Self-Esteem, and Self-Actualization: Erminal Papers of A. Ha Maslow, Ed. Richard J. Lowry Monterey, California: Brooks/Cole, 1973.
- Maslow, A. H. “Eupsychia – the Good Society.” Journal of Humanistic Psychology 1 (1961): 1-11.
- Maslow, A. H. Eupsychian Management, a Journal Homewood Illinois: R. D. Irwin, 1965.
- Maslow, A. H. Manual for Social Personality Inventory for College Women. Stanford, California: Stanford Univ. Press, 1942.
- Maslow, A. H. Motivation and Personality. New York: Harper and Row, 1970.
- Maslow, A. H. New Knowledge in Human Values Chicago: H. Regenery, 1970.
- Maslow, A. H. and Mittelman, Beta. Principles of Abnormal Psychology – The Dynamics of Psychic Illness. New York: Harper, 1941.
- Maslow, A. H. Self Actualizing People – A Study of Psychological Health. Brooklyn, New York: Brooklyn College Bookstore, 1951.
- Maslow, A. H. The Father Reaches of Human Nature. New York: Viking Press, 1971.
- Maslow, A. H. The Psychology of Science: A Reconnaissance. New York: Harper and Row, 1966.
- Maslow, A. H. The Theory of Human Motivation. Psychological Review 50 (1943) 370-396.
- Maslow, A. H. Toward a Psychology of Being. Princeton, New Jersey: Van Nostrand, 1962.
- Maslow, A. H. Religion, Values, and Peak-Experiences, Kappa Delta Pi Lecture Series 1964.
- Maslow, A. H. Obituary, New York Times: 10 June, 1970.
- Chaing, Hung-Min, and Maslow A. H. The Healthy Personality. NY: Van Noshand Reinhold Co, 1969.
المصدر:
د. إبراهيم علي ملحم (2008)، علماء الإدارة وروادها في العالم: سير ذاتية وإسهامات علمية وعملية، (القاهرة: المنظمة العربية للتنمية الإدارية).