دال، روبيرت

سيرته الذاتية:

ولد دال، روبيرت في مدينة انوود بولاية أيوا الأمريكية في 17 ديسمبر 1915م. تلقى دراسته الجامعية في جامعة واشنطون، وحصل على درجة الدكتوراه من جامعة يل. وتقلد أثناء الحرب العالمية الثانية وظائف إدارية اقتصادية متعددة خاصة في الجيش وفي إدارات حكومية أخرى. وبعد الحرب بدأ مهنته في التدريس بجامعة يل. واشتهر بأعماله في العلوم السياسية وكتبه التي تعالج التحليل السياسي. وكان عضوًا في جماعة في بيتا كابا واتحاد الحريات المدنية الأمريكي والأكاديمية البريطانية.

مساهماته:

وصف دال من قبل بعض الكتاب بأنه “موضع شك”، وأنه يعد واحدًا من العلماء السياسيين المؤثرين في جيله. وكان بعمله واحدًا من أصحاب النظرية السلوكية القدامى في العلوم السياسية. رأى دال النظام السياسي كأي نموذج دائم للعلاقات الإنسانية الذي يتضمن إلى حد كبير عناصر القوة والحكم والنفوذ.

صرح دال في عام 1947م بأنه من الصعب جدًا اعتبار الإدارة العامة علمًا حتى تمت دراسة كل من الظاهرتين البيروقراطية والإدارية بأسلوب علمي ومقارن. لا يمكن للإدارة العامة أن تحقق أية مبادئ عامة جامعة، لكن على الأقل فإن غالبية الأنظمة الإدارية يمكن أن تدرس. وهذا يتيح عزل المفاهيم الأصيلة لكل ثقافة، بينما تتيح إقامة مبادئ عامة جامعة ليتم تكييفها مع هذه السمات الثقافية. وللوصول إلى هذه المبادئ العامة الجامعة ينبغي تصنيف ومقارنة الإدارة العامة.

وقد ذكر دال في مقالته “علم الإدارة العامة”  “The Science of  Administration” Public  أنه من أجل تحقيق هدف علم الإدارة العامة:

  • يجب جعل وظيفة القيم المعيارية واضحة.
  • يجب فهم طبيعة الإنسان في مجال الإدارة العامة بشكل أفضل، وأن يكون سلوكه أكثر قابلية للتنبؤ به.
  • توجد مجموعة من الدراسات المقارنة التي يمكن أن يكون من الممكن بواسطتها اكتشاف المبادئ والتعميمات التي تتجاوز الحدود الوطنية والتجارب التاريخية المتميزة.

واستطرد دال قائلا: إنه من أجل توكيد أهمية أهداف متنوعة في مجتمعات مختلفة، يجب أن تمثل الإدارة العامة دراسة لمفاهيم معينة للسلوك البشري. وكذلك الاختلافات التي توجد في العلوم السلوكية والمؤسسات السياسية التي لها تأثير مباشر في خدمات الحكومة. ويضع هذا الاستغراق في السلوك البشري قيودًا على تطوير علم الإدارة العامة.

وأكبر إسهام لروبيرت دال كان في مجال العلوم السياسية. والقسم الأكبر من عمله أثر في قضايا وثيقة الصلة بالإدارة، مثل السلطة، والمنظمة، والنفوذ.

وناقش دال في كتابه: تقديم إلى النظرية الديمقراطية “A Preface to Democratic Theory” كلاً من نظرية “الماديسونيين” ونظرية الديموغرافية. وأقام دال علاقة منطقية من خلال محاولة ماديسون التأثير على الاتفاقيات والحل الوسط بين المجموعات المتنافسة،  و”سلطات الأغلبيات” مقابل “سلطة الاقليات”، ثم أولئك الذين يتوقون للمساواة السياسية وأولئك الذين يحاولون تقييد السيادة السياسية. إن نظرية ماديسون تفترض سيادة شعبية غير استبدادية ومساواة سياسية.

يصف دال النظام الأمريكي بأنه نظام هجين تشكل الانتخابات فيه أساليب لضبط القادة، ويكون لكل الجماعات فرصة للتعبير. ويعتبر النظام في أمريكا متفردًا تؤثر فيه الاقليات بشكل كبير. والتحكم في صنع القرارات غير موزع بشكل متساوٍ، وليست هناك مساواة سياسية. والاستجابة السياسية تكون مختلفة بالنسبة للرئيس، مع متطلباته للتعامل مع الهيئة الانتخابية، ثم الكونجرس. تواجه الأوضاع ببيروقراطيات تكون فائقة التعقيد. وفي بعض الحالات تصبح مصالح البيروقراطية والعملاء “متشابكة” بحيث لا يكون من السهل تحديد من يكون مستجيبًا لمن.

يبحث دال في كتاب له باسم “البحوث الاجتماعية في عالم الأعمال : المنتج والاحتمالات “Social Science Research Business: Product and Potential” عن ردم الهوة بين النظام السياسي ومنظمات الأعمال التجارية. بدأ دال بتلك المنشآت التجارية، مثل المنظمات الأخرى التي لديها نظام سياسي. وقد ظلت الحكومة الداخلية تعتبر العمل التجاري مجالا للاقتصاد، ولكن نسبة لقلة تعريف السلطة، والنفوذ، والقوانين، والحكومة القصيرة، فقد برزت التساؤلات في الماضي عن التعارض بين البنية “الرسمية-القانونية” للحكومة في المنظمات التجارية الكبيرة وقوانينها الحقيقية. إن التحكم في القرارات – على سبيل المثال – هو وظيفة الملكية، لكن نسبة للافتقار للمشاركة الحقيقية للأغلبية العظمى من حاملي الأسهم، فإن الإدارة تظل دائمًا ذاتية بسبب لا مبالاة حاملي الأسهم وتلاعب المحسوبية.

وببساطة صرح دال قائلاً: إن أية طريقة منتظمة من العلاقات لديها مفاهيمها الاقتصادية والسياسية. وظلت المشكلة هي الافتقار للتحلي السياسي المتضمن في نظرة الاقتصاد لعلاقات العمل التجاري.

وفي بحثه في مجال العمل التجاري والنظام السياسي الأمريكي يقيم دال علاقة منطقية بين فترة الكساد الكبير والبرنامج الحكومي الشامل للإنعاش الاقتصادي المعروف باسم “New Deal” جعل العلماء السياسيين يركزون على السياسة بدلاً من السلوك. وهذا عكس الاهتمام الجديد في التنظيم والإصلاح. واستمر دال في مناقشة تلك الاختلافات في السلوك السياسي للأفراد في القطاع الخاص الذي قد يكون مهمًا مثل أهمية التشابه بينها تقريبًا. إن الحجم قد يؤثر في السلوك السياسي، وتميل الأعمال التجارية الكبيرة نحو تركيز السلطة في أيدي الموظفين الإداريين. وكلما كانت المنظمة كبيرة كانت أكثر صعوبة في الاستخدام كوسيلة للضغط. ويقول أحد الآراء: إن من يملكون الثراء والسلطة يدركون أهمية تأثير الآراء السياسية والجماهيرية وأنها جزء من النخبة المتحكمة.

وفي دراسة دال عن النفوذ والأحزاب والقضايا السياسية الأخرى فإن هناك مضامين واضحة بالنسبة للإدارة. ويواجه المدير حقيقة السياسة في كل من داخل المنظمة والبيئة الخارجية.

والخيط المشترك الواحد الذي يمتد عبر كثير من نظريات الديموقراطية هو المفهوم القائل بأن المواطن العادي يكون لديه قدر كبير من السيطرة على القادة. تأتي القوة فوق البنية السلطوية بين عامة السكان. إن المفهوم المهم لتكلفة الفرصة للتأثير وعلاقتها “بثغرة النفوذ” التي هي في الواقع عبارة عن الاختلاف الذي يمارسه الفرد في النفوذ السياسي ومقدار النفوذ الذي يمكنه بذله إذا ما كرس كل وقته المتاح وموارده لهذا المقصد الوحيد.

وشيء أساسي لمفهوم النفوذ هو سلوك صنع القرار للسلطات والذي قد تغير كما لو كان بدون نفوذ. ويرى دال السياسات كجزء من “سيرك الحياة”. إن المهارة السياسية هي القدرة على بناء وخلق مزيد من النفوذ قياسًا بآخرين يستخدمون الموارد نفسها.

يعتقد دال في وجود طريقتين لقياس السلطة السياسية. الأولى هي القدرة على عمل تغيير، والثانية هي تكرار ارتباط الفرد بالفوز.

عادة ما يظهر القادة في النظام السياسي مجموعة من التعليمات التي تبرر علاقتهم بالنظام. وهناك أنواع أخرى من العلاقات الإنسانية، لكن السياسة ببساطة تتدخل لمدى كبير في التحكم أو النفوذ أو القوة أو السلطة. ولا يرجح أن يشترك الأفراد في السياسات إذا:

  • شعروا أنه لا يمكنهم التأثير على النتيجة.
  • كان هناك اختلاف في البدائل.
  • كانت النتيجة إيجابية بدون مشاركتهم.
  • كانت معرفتهم يجب أن تكون محدودة حتى تكون فاعلة.
  • وضع الفرد قيمة أدنى في المكافآت من المشاركة.
  • وضعت معوقات أكبر في طريق الفرد، وسوف تكون مشاركته قليلة الاحتمال.

يمكن أن ينظر إلى عدم الرضا على أنه فرصة أو خطر محتمل الوقوع بالنسبة لجماعة معينة على ضوء نتائجه لحشد نفوذ محتمل. وتوجد مثل هذه “النتائج” لأنه في معظم الأنظمة السياسية توجد “موارد مهملة”. ويصف دال الموارد المهملة بأنها تلك التي تدخل في البيئة السياسية بعد أن يزيل الاستياء الإهمال الواقع. وقد ينتج عن هذه الظاهرة تحول في مواضع السلطة. وقد تعطي الموارد المهملة “السياسي الملتزم” فرصًا عظيمة، لكنها أيضًا تكون مصدرًا لمجازفة عظيمة. إن كل مواطن في الجماعة يستطيع الوصول للموارد السياسية المتوافرة، وقد تغير مشاركتهم السلطة السياسية. ويذكر دال أن أساس سلطة الممثل تتألف من كل الموارد والفرص والأفعال والأهداف،…إلخ، والتي يمكن تكييفها لتؤثر في سلوك آخر. وفي أسلوب مماثل عندما تستخدم المعارضة مواردها لإحداث التغيير، فقد تصبح نقطة للخلاف.

وجد دال في كتاباته عن مسئوليات الكونجرس والجهاز التنفيذي “Congress and Foreign Policy” أن السياسات الدولية تعتبر أرضية للاختبار الصعب للمؤسسات الحكومية الكلاسيكية في المجتمع الديمقراطي. والوقت الحالي يكون فترة لأزمة مستديمة خارجية ومحلية. وربما ينظر للقيادة على أنها مسئولة إلى الدرجة التي تختار فيها السياسات المدعومة من قبل مواطنيها. عندما يكون هناك اختلاف طبيعي يجب على القيادة اختيار السياسيات التي تمثل أكبر عدد من المواطنين. وهذا يجب أن يكون شيئًا أساسيًا بالنسبة للديموقراطية، بينما يجب أن نأخذ في الاعتبار نظرة الأقلية المؤثرة ومواطن الاتفاق لتأكيدها. ومواطن الاتفاق والحقوق هذه ينبغي ألا تكون عقلانية لتعيش. ستصبح مسئولية القيادة في الهيئة التشريعية لتعليم المواطنين البدائل العقلانية. وتكون لدى المدير المقدرة من خلال منظمته العليا لتحديد الحقائق. ويوفر الجهاز التنفيذي أكبر درجة من القيادة تحت عملية فصل السلطات. ويواجه الكونجرس نقصًا في البنية الموحدة.

يكتب دال أنه يوجد في داخل الحزب اتجاهان معارضان. يجذب الأول في اتجاه القرار السياسي المستقبل، بينما الرغبة تكون مؤثرًا يقود للتفاوض. ومع ذلك يقول دال: إنه على المدير التنفيذي أن تكون لديه مقدرة على الفعل، ويجب أن تكون لديه سلطة، وألا يقع في مأزق بين الأغلبيات والاقليات سريعة الزوال. والمدير التنفيذي القوي ضروري لمنع الجمود في القضايا المهمة.

تكون الحكومة المحلية مستقلة ذاتية نوعًا ما، وتوفر الفرص للمعارضة دون المستوى الوطني لكسب الموارد السياسية، وتعمل كوسائل لحل النزاعات. والحكومات المحلية تجعل من الممكن الوصول إلى حلول مختلفة لمجموعات مختلفة وتحفظ القضايا المهمة على المستوى المحلي. وسيكون أيضًا من الأمور المضللة افتراض أن الحكومة الفيدرالية ستؤدي وظائفها المحلية بشكل أفضل.

إن البديهات السياسية بمدلولها الأكبر لكل من الحكومة المحلية والقومية هي:

  • بناء ائتلاف فاعل ومنح المكافآت.
  • يجب في عملية بناء الائتلافات ومنح المكافآت أن تكون هناك حساسية لعدد كبير من الأنواع المختلفة من المواطنين.
  • يمكن استخدام الاختلافات لصالح أو ضد الجماعات.
  • عند منح المكافآت يجب مراعاة الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية الموجودة، إلا في استثناءات قليلة.
  • يُسمح بقدر معين للنشاط غير القانوني.
  • كل شخص ينكر شرعية العقيدة الأمريكية لن تكون له فرصة كبيرة في الفوز.
  • تحتاج المقترحات العالمية في العقيدة الأمريكية لأن تخفف.

يرى دال وجوهًا سلبية معينة لتجزئة الحكومة الأمريكية. إذ يمكن للتجزئة أن تكسر النظام إلى عوالم سياسية مختلفة عديدة، كل عالم يستخدم نفوذه الخاص به لسد الطريق أمام من هم خارج السلطة. وتمنع التجزئة أيضًا إيجاد الحلول للمشكلات، وفي الوقت نفسه تخلق أشكالاً من الحكومات الضعيفة. وتخلق التجزئة هوة بين الموظفين الذين يملكون السلطة والموظفين الذي لا يملكونها.

وفي الدفاع عن التجزئة ينظر إليها البعض بوصفها عملية لإعطاء مزيد من نقاط الدخول والفرص بينما تقوم بإخراج الخلاف خارج المجال القومي. إن الحكم التعددي مبدئيًا عبارة عن دفاع في حد ذاته ضد التلاعب والمناورة.

وإجمالاً يرى دال السلطة والنفوذ والمؤسسات السياسية بوصفها تضمينًا عظيمًا بالنسبة للمؤسسات العامة وكذلك الخاصة. وعلى المرء أن يكون قادرًا على رؤية البيئة التنظيمية الحديثة، خاصة في القطاع غير الربحي بوصفه ميدانًا للصراع السياسي. بينما يكون لدى المنظمات الكبيرة بعض الامتيازات، ولا يخطئ هذه السياسات إلا ساذج.

وختامًا، وبالرغم من قيمة أفكار دال، فإنه لا يزال هناك الكثير الذي يجب عمله في ناحية إدراك الاختلافات بين المؤسسات السياسية الصارمة والمنظمات غير الربحية، والإدارات العامة والشركات الخاصة. ويثير روبيرت دال مزيدًا من الأسئلة ثم يقدم الإجابات لها.

مسرد لأهم أعماله:

  1. Dahl, Robert A; A Preface to Democratic Theory, Chicago; the University of Chicago Press, 1956
  2. Dahl, Robert A.; Congress and Foreign Policy. New York, W. W. Norton Company, Inc. 1964
  3. Dahl, Robert A.: Modern Political Analysis, Englewood, New Jersey; Prentice Hall Inc., 1976
  4. Dahl, Robert A.; Pluralist Democracy in the United States: Conflict, and Consent; Chicago Rand McNally and Co. 1967.
  5. Dahl, Robert A.; Polyarch: Participation and Opposition; New Haven, Connecticut, Yale Univ. Press, 1971
  6. Dahl, Robert A.; “The Science of Public Administration”, Public Administration Review, Vol.7, No.1, 1947. PP.1-11.
  7. Dahl, Robert A.; Who Governing? Democracy and Power in an American City. New Haven; Connecticut; Yale Univ. Press, 1961.
  8. Dahl, Robert A.; Mason, Haire, and Lazarsfeld, Paul P; Social Science Research Business: Product and Potential New York City, Columbia Univ. Press, 1959
  9. Dahl, Robert A.; and Lindbloom, Charles; Politics Economics and Welfare; New York: Harper & Brothers, 1953.

المصدر:

د. إبراهيم علي ملحم (2008)، علماء الإدارة وروادها في العالم: سير ذاتية وإسهامات علمية وعملية، (القاهرة: المنظمة العربية للتنمية الإدارية).

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

القائد والقيادة ونجاح الأعمال

تعد القيادة الأساس في نجاح واستدامة جميع الأعمال المؤسسية الربحية وغير الربحية. القائد الناجح يفوض السلطة وينمي اتخاذ القرارات في الموظفين بشرط أن يكونوا على

تفاصيل »

في زمن تتحول فيه الأفكار إلى ثروات، والعقول إلى سلع يتم تداولها في بورصات خفية… فمن سيكون السيد الجديد لعصر الاقتصاد المعرفي؟

الاقتصاد المعرفي.. حين تصبح العقول هي الثروة الجديدة: نعيش اليوم فيما يعرف بـ «عالم الاقتصاد المعرفي»، عالم تتسارع فيه الخطى وتنقلب فيه الموازين حتى بات

تفاصيل »

النجاة في عالم إداري سريع التغير

في بيئة إدارية تتغير بسرعة غير مسبوقة، لم يعد البقاء مرهوناً بالكفاءة التقليدية وحدها، بل بقدرة المؤسسات وقادتها على التكيف السريع والابتكار المستمر، ويشهد العالم

تفاصيل »