إنَّ الإدارةَ هي عصبُ النهوضِ الحضاريِّ، وعمادُ كلِّ عطاءٍ مثمرٍ، وهو مَا أدركهُ العالمُ المتقدِّمُ واستثمرَهُ للنهوضِ بالإنسانِ لتحقيقِ الشهودِ الحضاريِّ الخلاقِّ.
وتُعَّرَفُ الإدارةُ بأنَّها الاستخدامُ الأمثلُ للقوَى البشريَّةِ، والمواردِ الماليَّةِ، والمعلوماتِ، إنَّها توظيفٌ فذٌّ للأفكارِ، واستثمارٌ للوقتِ، من خلالِ منظومةٍ من الممارساتِ تبدأُ بالتَّخطيطِ السَّليمِ، والتوجيهِ الحكيمِ، وتنتهِي بالقياسِ، وتقويمِ المنجزاتِ.
إنَّ ما حدثَ في العالمِ المعاصرِ من تحوُّلاتٍ كُبْرى؛ بسببِ الانفجارِ المعلوماتيِّ، وتقنيةِ الاتصالات، وجدَ طريقهُ للتأثيرِ في واقعِ الفكرِ الإداريِّ ومستقبلِهِ، ونتجَ عن ذلكَ رؤيةٌ فلسفيَّةٌ جديدةٌ، ومفهومٌ إداريٌّ متطوِّرٌ، يختلفُ عن مفاهيم وأفكارِ الإدارةِ التقليديَّةِ التي سادتْ في عصرِ ما قبلِ التقنيةِ.
لقدْ امتدَّت الإدارةُ الجديدةُ إلى إدارةِ المواردِ البشريَّةِ؛ كَي تتحوَّلَ إلى فلسفةٍ، وتقنياتٍ جديدةٍ مختلفةٍ تضعُ العنصرَ البشريَّ في قمَّةِ اهتماماتِهَا، وتدمجُ إستراتيجيَّاتِهَا وبرامجَ عملِهَا في البناءِ الإستراتيجيِّ للعملِ الإداريِّ.
لقدْ نشأَ عن هذهِ التحوُّلاتِ الكُبْرى واقعٌ جديدٌ، ومفاهيمُ وتقنياتٌ إداريَّةٌ حديثةٌ، تتَّسمُ بملامحَ ورؤى تتوافقُ مع طبيعةِ العصرِ القائمةِ على الحركةِ السريعةِ، والتطويرِ الدائمِ، واستثمارِ التقنيةِ، والانفتاحِ، والانتشارِ، والتواصلِ مع العالمِ، ومثَّلتْ هذهِ الأفكارُ الإداريَّةُ الجديدةُ الأساسَ الذِي تُبنَى عليهِ فلسفةُ وتقنياتُ إدارةِ المواردِ البشريَّةِ الإستراتيجيَّةِ، وكأساسٍ لتنظيمِ وإدارةِ المنظَّماتِ على اختلافِهَا، ومِن ثمَّ لإدارةِ المواردِ البشريَّةِ بهَا.
إنَّ الإدارةَ عندمَا تسعَى لتحقيقِ الأهدافِ المنوطةِ بهَا، والوفاءِ بالتزاماتِهَا المختلفةِ، تحتاجُ دائمًا إلى التعرُّفِ على المشكلاتِ والمعوِّقاتِ التي تقفُ أمامهَا، وتوقعُ المخاطرَ والتهديداتِ واكتشاف الأساليبِ المناسبةِ لحلِّ تلكَ المشكلاتِ، وإيجاد البدائلِ السريعةِ لمواجهةِ تلكَ المخاطرِ والتهديداتِ.
كانت التجربةُ، والخطأُ في الماضِي هِي الأساس الأوَّل لتطويرِ العملِ الإداريِّ، وتنميةِ أساليبِ الإدارةِ في تأديةِ وظائفِهَا الرئيسةِ، فقدْ كانَ المديرُ في السابقِ يعتمدُ أساسًا على خبرتِهِ الذاتيَّةِ، وقدرتِهِ الشخصيَّةِ على اكتشافِ المشكلاتِ، والتوصلِ إلى حلولٍ مناسبةٍ لهَا، ثمَّ برزتْ عدَّة مداخلَ تعالجُ العمليَّةَ الإداريَّةَ بصورةٍ علميَّةٍ؛ بهدفِ التوصلِ إلى نتائجَ أفضلَ في ضوءِ ندرةِ بعضِ المواردِ وكثرةِ الأعباءِ والتحدِّياتِ.
من هنَا فإنَّ العمليةَ الإداريَّةَ اليومَ تتطلَّبُ مواصفاتٍ خاصَّةً في القائمِينَ على إدارةِ المنظَّماتِ بمختلفِ أشكالِهَا، منهَا امتلاكُ القدرةِ على اتِّخاذِ القرارِ، والتحلِّي بالمهاراتِ القياديَّةِ، والسِّماتِ الشخصيَّةِ التِي تؤهِّلُ للقيادةِ سواءٌ على صعيدِ المنظَّمةِ، أو المجتمعِ القدرة على توظيفِ التقنياتِ الحديثةِ ذاتِ العلاقةِ بالعملِ الإداريِّ حسب المستوَى الإداريِّ للمسؤولِ.
د. بكري معتوق عساس
المدينة – أبريل 2024