تطرح براءات الاختراع مبتكرات تحمل قيمة، لتمثل بذلك مشاريع مستقبلية تقدم معطيات مفيدة قابلة للإسهام في التنمية، عندما يتوافر لها الاستثمار اللازم الذي ينقلها إلى السوق المستهدفة. ولمبتكرات براءات الاختراع مجالات عديدة. فقد تكون جهازا تقنيا، إلكترونيا مثلا، أو إجراء فنيا، كبرنامج حاسوبي، أو ربما صيغة لمركب كيميائي مفيد في الصناعة، أو مادة علاجية لأحد الأمراض، أو حتى مادة حيوية تعطي أثرا غير مسبوق، أو غير ذلك. وتتمتع براءات الاختراع، كل في مجالها، بثلاث صفات رئيسة، صفة الجِدة، أي أنها تقدم معطيات غير مسبوقة، وصفة التأثير، أي أن تحمل قيمة ذات أثر فاعل، ثم صفة التطبيق، أي أن تكون قابلة للتنفيذ الفعلي، والانتشار في السوق المستهدفة.
يشمل مسار براءات الاختراع أربع مراحل رئيسة. تشمل المرحلة الأولى إعداد المبتكر الذي يحمل قيمة. وتتضمن الثانية تجهيز ما يلزم لتقديم طلب يختص بتسجيل هذا المبتكر كبراءة اختراع في مكتب متخصص في ذلك، موثق محليا، كالهيئة السعودية للملكية الفكرية، أو موثق عبر اتفاقيات دولية، كنظام معاهدة التعاون في براءات الاختراع الذي ترعاه المنظمة الدولية للملكية الفكرية WIPO-PCT. وتشمل المرحلة الثالثة، بعد ذلك، قيام مكتب التسجيل بتقييم المبتكر، وتحديد مدى استحقاقه لبراءة اختراع. وهنا يسقط جزء، لا يستحق، من طلبات البراءات، وينجح الجزء الآخر، أي الذي يستحق. وتقول إحصائيات مكتب براءات الاختراع الأمريكي إن 53 % من طلبات براءات الاختراع التي تم تقديمها خلال الفترة من 2011 حتى 2020 قد حظيت بالقبول والسماح بالتسجيل.
يحصل صاحب براءة الاختراع على حقوق ملكيته الفكرية للمبتكر المسجل في البراءة لمدة من الزمن، تصل إلى 20 عاما، ضمن المنطقة الجغرافية التي يغطيها مكتب التسجيل. وتمثل براءات الاختراع المسجلة رصيدا معرفيا موثقا يمكن رواد الأعمال وأصحاب رأس المال الجريء من الاستثمار في مضامين هذه البراءات بالاتفاق مع أصحابها الذين يملكون حقوقها الفكرية. وهكذا تختص المرحلة الرابعة لمسيرة براءات الاختراع بشؤون الاستثمار فيها وإعداد معطياتها للسوق، ما يؤدي إلى توليد الثروة، وتشغيل اليد العاملة، والإسهام في التنمية.
يحدث في المرحلة الرابعة، ما يشبه ما حدث في المرحلة الثالثة. ففي المرحلة الثالثة يتم رفض تأهيل بعض المبتكرات للتسجيل، كما ذكرنا آنفا. وفي المرحلة الرابعة تشهد بعض براءات الاختراع من يستثمر فيها ويجعلها قادرة على الإسهام في التنمية، بينما يبقى بعضها الآخر بعيداً عن ذلك. وتقول الإحصائيات إن نسبة براءات الاختراع التي تم الاستثمار فيها والاستفادة منها في الصين، في الفترة من 2011 حتى 2022، بلغ 34.7 %. ويدل ذلك على أن نسبة قدرها 65.3 % من براءات الاختراع المُسجلة، حُفظت في أرشيف السجلات، دون أن يكون لها أي بصمة على أرض الواقع.
لعل من المناسب القول، بناء على ما سبق، إننا نحتاج، ليس فقط، إلى تنمية مستمرة في براءات الاختراع، كما ونوعا، وذلك في مختلف المجالات الواعدة، إنما نحتاج أيضا إلى تفعيل الاستثمار في هذه البراءات، من أجل جعلها قادرة على الإسهام في التنمية، وتعزيز استدامتها. ولنا في هذا الأمر ثلاثة مقترحات رئيسة. يقضي المُقترح الأول ببناء ثقافة الابتكار في المجتمع، والتشجيع على العطاء المعرفي، ويبرز في هذا المجال دور التعليم، والتعليم المستمر مدى الحياة، إلى جانب النشاطات المعرفية المجتمعية، ومعطيات وسائل الثقافة والإعلام.
يهتم المقترح الثاني بدور المنظومة الوطنية للابتكار التي تمثل الشبكة الذكية الجامعة لمختلف أطراف الابتكار، والقادرة على جمع الجهود، وإدارة التوافق فيما بينها، كما يفعل قادة الفرق الرياضية، وكذلك موجهو الفرق الموسيقية. وتشمل الأطراف التي يجب جمعها، والحرص على توافقها، المبدعين والمبتكرين أصحاب براءات الاختراع، وكذلك المُقيمون لتسجيلها ومانحو الحقوق الفكرية، فضلا عن المستثمرين القادرين على الاستفادة من البراءات وتعزيز أثرها في التنمية. ونأتي أخيرا إلى المقترح الثالث الذي يقضي بضرورة اقتران كل براءة اختراع بدراسة جدوى تهتم بالاستفادة من جدة ما تقدمه براءة الاختراع، وتحرص على جودة عطائها، ليكون لدينا بذلك براءات اختراع تتميز ليس فقط بالجدة، والجودة، بل بالجدوى أيضاً التي تمكنها من وضع بصمتها على أرض الواقع.
سعد علي الحاج بكري
الأقتصادية – مايو 2024