موسيس، روبيرت

سيرته الذاتية:

في الواقع سيجد طلبة الإدارة العامة أن موسيس، روبيرت رجل مدهش حقًا. وهو يشتهر بلقب “باني أمريكا البارع” فقد ترك عمله أثرًا على بيئة كل مدينة أمريكية كبيرة تقريبًا، وأسهم في تشكيل العديد من حكومات الولايات.

ولد موسيس، روبيرت لعائلة موسرة، في 18من شهر ديسمبر 1888م في مدينة نيو هيفن بولاية كنيكتيكت الأمريكية وقد وهب ذكاء فائقًا، واستطاع الحصول على تعليم مثير للإعجاب، الأمر الذي جعل البعض يعتقد أن هذا التعليم جعله الرجل الأفضل تعلمًا في الإدارة العامة على مستوى البلد. واستطاع أن يتخرج في جامعة يل سابقًا من هم في صفه، واختير عضوًا في جمعية ألفى بيتا كابا. وحصل على بكالوريوس آخر في الآداب ودرجة الماجستير في الآداب بدرجة الشرف من أكسفورد كما درس في جامعة برلين بألمانيا. وقد اعتبرت جامعتا أكسفورد وبرلين في ذلك الوقت قبلتي العالم لدراسة الخدمة العامة. وحصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة كولومبيا عام1914م. واعتبرت أطروحته: الخدمة المدنية لبريطانيا العظمى، موردًا بالنسبة لجهوده اللاحقة لإصلاح الفساد والحكومة في مدينة نيويورك المهيمن عليها من قبل ظاهرة “الرئيس”.

والتحق في عام 1913م بكلية تدريب الخدمة المدنية، وهي أول مرفق تعليمي في البلاد كرس لإعداد الأفراد للعمل في مجال الخدمة المدنية. وعندما تم انتخابه عمدة إصلاحيًا في مدينة نيويورك، التفت موسيس لكلية تدريب الخدمة العامة لاستنباط خطة لإعادة هيكلة نظام الخدمة المدنية. وكانت الخطة مثالية جدًا لدرجة أنها واجهت معارضة قوية، وتم تطبيقها جزئيًا فقط، لكنها جذبت انتباه بيلي موسكويتي، وهو إصلاحي مقرب للحاكم ألفريد سميث. فطلب سميث من موسيس ترأس لجنة إعادة بناء ولاية نيويورك، فقد كانت مهمته هي التوصية بإعادة تنظيم حكومة الولاية. وهذا أدى في النهاية إلى تعيين سميث لموسيس في منصب سكرتير الولاية الذي تم استحداثه مؤخرًا. وبوصفه مؤتمنًا على أسرار الحاكم، كان في استطاعة موسيس أن يظهر الشعبية السياسية لبناء الأعمال العامة، وهو العمل الذي قام بتنسيقه وتوجيهه بدرجة غير مسبوقة. ولأنه كان أول رئيس للجنة المتنزهات العامة لولاية لونغ إيلاند، فقد قام بسرعة ببناء مئات من الملاعب والمتنزهات والكباري والشوارع العريضة المزدانة بالأشجار. ومن خلال إصداره للتشريعات بشكل ماهر، تمكن من تكوين لجان قوية ومكاتب عامة للأعمال. ومن خلال المناورة السياسية استطاع السيطرة على هذه المنظمات، وكان يشغل رسميًا 12 وظيفة عامة في وقت واحد. وكان موسيس “مدمن العمل” لديه رغبة نهمة للبناء، واستطاع أن يغير بشكل هائل مظهر مدينة نيويورك. والعديد من أعماله تعتبر ذات جاذبية شعبية هائلة، وفرت له قاعدة قوية في السلطة، والتي لم يستطع فرانكلين روزفلت الذي ناصبه العداء لوقت طويل أن يتغلب عليها. وكان روزفلت أحد الرؤساء، والحكام، ورؤساء البلديات المتعاقبين الذين حاولوا أن يتملقوه، ولكنهم ندموا على ذلك. وكانت المحاولة الوحيدة في ترشيح نفسه للانتخاب هي (حاكم لنيويورك)، والتي انتهت بهزيمة مدوية. وكان ذلك في جزء منها بسبب حركة ارتجاعية تولدت من هجومه الوحشي على خصمه. لقد خلق طموح موسيس الطاغي وشعاره “يجب إنجاز العمل” – بغض النظر عن الآثار الإنسانية – عددًا كبيرًا من الأعداء. وأقيل في النهاية من منصبه من قبل الحاكم روكفيلر، الذي حاول تخفيف ذلك بتعيينه رئيسًا للمعرض العالمي لعام 1964م. وقد توفي روبيرت موسيس عن عمر يناهز 92 عامًا في 29 من شهر يولية عام 1981م في مدينة نيويورك.

مساهماته وتأثيره:

اعتبر موسيس عبقرياً، خصوصًا في مرحلة ” إنجاز العمل”. لذا فإن نجاحه في تغيير وجه مدينة نيويورك – الذي كان من المستحيل تنفيذه – وصف بأنه عمل إعجازي. ونسب كاتبو السير الذاتية هذه القدرة عنده لذكائه وطاقته التي لا تحدها حدود، وكذلك لاستخدامه الماهر للاستراتيجيات المبرمجة. ونظرًا لقناعة أخلاقية لا يرقى إليها الشك، فإن هذه الاستراتيجيات كان لها أثرها الكبير في إنجازاته المثيرة.

استراتيجيات موسيس:

1. تحرك بسرعة وبنشاط: كان يقارع معارضيه عن طريق البدء في البناء قبل أن يجد المعارضون الوقت الكافي لتنظيم أنفسهم.
2. أشرف على العمل شخصياً: كان يعلم الناس بأن يكون قدوة بالنسبة لهم. وكان يذهب إلى ساحة العمل ويشجع عماله بكلام ينفخ فيهم الحيوية والنشاط ويتعلق بأهمية جهودهم.
3. اكتشف أو طوق القانون بإحكام لاتخاذ تدابير جيدة تزيد من قوتك: يعتبر موسيس “أفضل واضع لمشروع قانون في مدينة الباني في ولاية نيويورك” يصيغ موسيس القوانين بمهارة بحيث تبدو معتدلة، لكنها تكون مليئة بفقرات تشريعية يعتمد عليها لاحقًا من أجل أن تكون أعماله قانونية.
4. نفذ نموذجًا فخمًا من الحياة والإدارة العامة: قبل موسيس برواتب هامشية، لكنه اعتاد على “غطرسة” نفسه بإتقان. واشتمل ذلك على امتلاكه سيارة بسائق خاص، وقوارب ومطابخ تعمل على مدى 24 ساعة من أجل ضيافته الخاصة. وقد عامل معظم معارفه بعدوانية، بما في ذلك الرؤساء والحكام.
5. التميز في العلاقات العامة: تتميز المراسيم الخاصة بافتتاح الأعمال العامة التي يقوم بتنظيمها بالبهرجة والحضور الإعلامي المكثف. وقد صممت لتعكس هالة من التمجيد على من يفضلهم وكذلك على نفسه.
6. ترسيخ المحسوبية: انقلاب كامل لموقفه المثالي المبكر المتعلق بالخدمة المدنية والحاجة لنظام جدارة صارم، إلا أن موسيس كان يرسخ للمحسوبية. ترتبط مشاريعه بصرف ملايين من الدولارات على العقود، وتوليد الآلاف من الوظائف. لقد كان موسيس يطلب طاعة تامة.

قبل فترة العمل ومن خلال لجنة إعادة بناء ولاية نيويورك، والتي أدارها موسيس، كانت حكومة نيويورك غير بارعة وغير مستجيبة بشكل كبير. وتتمتع هذه الولاية بأقسام إدارية ولجان رئيسة مستقلة ومنفصلة عن بعضها يبلغ عددها 187. وكانت خطة موسيس دمجها في 16 إدارة، وإطالة فترة حكم الحكام إلى أربع سنوات. ومنح الحكام أيضًا سلطة تعيين كل رؤساء الإدارات المهمين. ومنذ ذلك الحين تم تعميم هذا النموذج بشكل واسع على كل البلاد.

كان موسيس عمليًا، ويزدري النظريات والخطط المبنية عليها وعلى نظرية الفعالية في العمل. وقد اعتقد أن معظم المخططين اشتراكيون. وأطلق على فرانك لويد “المتعاطف الروسي”، ولويس ممفورد “الثوري الصريح”. وعلى الرغم من هذا القدح، فلقد شعر ممفورد بأن نفوذ روبيرت موسيس على المدن الأمريكية، كان أعظم من نفوذ أي شخص آخر. إن رؤية موسيس لمدينة مبنية من أبراج عالية وشوارع كبيرة مشجرة محدودة أصبحت نموذجًا للبلاد. إن حبه للسيارات وتحسين مداخل تؤدي إلى المدينة بسهولة شجع على تطوير الضواحي وتقليل التركيز على السكن في داخل المدينة. وهذه الأفكار تم رفضها جزئيًا من قبل المخططين من الأجيال الجديدة، لكن ذلك لم يكن قبل أن يضع موسيس خططاً للعديد من المدن الأمريكية. وشملت هذه القائمة نيويورك، بيتسبرغ، بورتلاند، نيوأورليانز وهارتفورد. إن هذه المدن ذات الطرق السريعة والأبراج العالية وملاعب الكرة الضخمة وساحات اللعب “المسفلتة” والحد الأدنى من المواصلات العامة هي النموذج الكلاسيكي لموسيس.

مسرد لأهم أعماله:

1. Moses, Robert. Public Works, A Dangerous Trade. New York: McGraw Hill, 1970.
2. Moses, Robert. “The Civil Service of Great Britain.” Ph.D Dissertation, Columbia Univ., 1914
3. Moses, Robert. Working for the People; Promises and Performance in Public Service. New York: Harper, 1956.
4. Moses, Robert. Current Biography 42:44, summer, 1981.
5. “Moses, Quits Five Jobs” Architectural Forum, January, 1983.
6. Moses, Robert. Current Biography 15:39, fall, 1954.

المصدر:

د. إبراهيم علي ملحم (2008)، علماء الإدارة وروادها في العالم: سير ذاتية وإسهامات علمية وعملية، (القاهرة: المنظمة العربية للتنمية الإدارية).