غولدنر، ألفين

سيرته الذاتية:

غولدنر، ألفين 1980-1920م، عالم اجتماع أمريكي شغل كرسي ماكس فيبرا في المشكلات للنظرية الاجتماعية في جامعة واشنطن، بسانت لويس. وقد أجرى بحث الاجتماعية للجنة اليهودية الأمريكية وعمل على المنظمات الصناعية، بما في ذلك تقديم الاستشارة لشركة أويل استاندارد بنيوجيرسي. وفي العقدين الأخيرين من حياته اهتم بشكل خاص بتطوير النظرية الاجتماعية ودور المعرفة في المجتمع.

مساهماته:

طبق غولدنر مفهوم فيبر للبيروقراطية ووظيفته في المنظمات الصناعية الحديثة. ويقوم تحليل فيبر على الافتراض القائل بأن أعضاء المنظمة في الواقع سيذعنون للقوانين ويطيعون الأوامر. وتساءل: على أي أساس يحصل ناشرو القوانين ومصدرو الأوامر على سلطتهم الشرعية؟ ولم يهتم كثيراً بمشكلة وضع شرعية السلطة في وجه المعارضة والرفض والقبول من طرف المحكومين. وهذا وضع تتم مواجهته بشكل متكرر، وذلك – مثلاً – عندما تحاول سلطة بيروقراطية استئصال سلطة متمسكة بالتقاليد، أو عندما يواجه حكم الخبير أو من يستخدم العقلانية القانونية للسلطة بالمقاومة.

وعلى أساس الدراسة القريبة جدًا لهذا النوع من الأوضاع في منجم أمريكي للجبس، وصف غولدنر تأثير إدخال التنظيم البيروقراطي في وجه المعارضة. كان النظام الإداري السابق للمنجم قائماً على “النهج التسامحي”. وقد تم تجاهل أو تطبيق القوانين بشكل متساهل جدًا، إذ كان يتم التحقق من العمل بشكل غير منتظم فقط، ودائماً ما كانوا يمنحون المخالفين فرصة ثانية في حالة ظهور أية مخالفات. وكان جو من التراخي والمواقف المتحيزة سائدًا بين العاملين في الشركة. وفي غمرة هذا الوضع جاء المدير الجديد للمنجم الذي عمل على فرض القوانين بالقوة، الأمر الذي أدى إلى جعل السلطة الهيكلية تعمل بشكل فاعل، وبصورة عامة تم تشغيل نظام عقلاني قانوني فعال. لكن ذلك أدى أيضاً إلى هبوط كبير في المعنويات وزاد من الخلافات بين العمال والإدارة، بما في ذلك حدوث إضراب جامح.

وكان غولدنر قادراً في تحليله لهذا الوضع على تمييز ثالثة أنماط من السلوك البيروقراطي: الساخر أو المخادع “Mock“، والممثل “Representative“، والمركز على العقاب Punishment-Cantered كل منها بقيمها المميزة وخلافاتها.

وفي بيروقراطية الساخر أو المخادع تفرض القوانين على المجموعة من قبل شخص خارج الإدارة، مثل القانون الذي تفرضه شركة التأمين بمنع التدخين في متجر، أو رفع المسئولين للتقارير المطلوبة خارج المنظمة حول أنشطة الأعضاء. فلا الرؤساء أو المرؤوسون يعرفون أنفسهم أو يشاركون في وضع القوانين، وال يعتبرونها شرعية. وبالتالي لا يضعونها موضع التنفيذ، ويحصل كل من الرؤساء والمرؤوسين على منزلة خاصة بخرقهم لها. فالتدخين مسموح ما لم يحضر واحد من المفتشين الخارجيين، ويتم رفع التقارير الرسمية على نحو ال يعكس الوضع الحقيقي الذي يجري. ويختلف الوضع الفعلي بشكل كبير عن الوضع الرسمي. وقد يقضي الناس وقتا طويلا “في المراوغة”. وهذا النمط من سلوك البيروقراطية الساخرة ينسجم مع الفهم الشائع للبيروقراطية بالتعقيد أو ما يسمى “الروتين” والتي تنفصل تماماً عن الواقع. لكن في نظام كهذا وكما أشار غولدنر – فإن المعنويات قد تكون عالية جدًا طالما كانت القيم غير الرسمية ومواقف المشاركين يتم إخمادها من خلال الخرق المشترك أو التملص من القوانين من أجل التمشي مع “العمل الحقيقي”.

وفي بيروقراطية التمثيل يقوم غولدنر بتطوير جزئية واحدة أو وضع واحد من فكرة فيبر، وهو الوضع الذي يتم فيه نشر القوانين من قبل “الخبراء” الذين تكون سلطتهم مقبولة بالنسبة لكل أعضاء المنظمة. ويؤيد الرؤساء والمرؤوسون القوانين التي تتلاءم مع قيمهم وتمنح الذين يطيعونها مرتبة. فعلى سبيل المثال، قد يأتي الضغط من كل من الإدارة والعمال لوضع برنامج للسلامة ربما يكون متوقعاً فتتحقق الجودة العالية في العمل. وفي هذا الوضع يتم وضع القوانين موضع التنفيذ من قبل الرؤساء، ويطيعها المرؤوسون، ربما مع قدر من حالات الشد لكن بخلافات علنية أقل. ونظراً لأن القيم يتبناها الجميع، فإنه يتم تفسير الانحرافات من خلال الإهمال المتعمد أو التجاهل، نظراً ألنه ال يمكن الاعتقاد أنه من الممكن المجادلة في القيم نفسها. والدعم المشترك للقوانين يدعم بالشعور بالتضامن والمشاركة في المؤسسة المشتركة. وهذا السلوك هو نمط من بيروقراطية التمثيل التي تنسجم بشكل قريب مع الأشكال المثالية للمنظمة والتي يدافع عنها كتاب مثل تايلور وفايول بشكل قوي، حيث تكون السلطة غير مبنية على المركز الوظيفي بل على المعرفة والخبرة المقبولة.

وفي النوع الثالث من البيروقراطية المبنية على العقاب، تنشأ القوانين استجابة للضغوط من قبل كل من الإدارة أو العمال. وقد تمت المحاولة لإجبار الجانب الآخر على الطاعة. على سبيل المثال، قد تطبق الإدارة سيطرة صارمة على الإنتاج، وتشدد على الإجراءات والغرامات. ويركز هذا النوع من البيروقراطية على عنصري السلطة والأمر، وحسب التسلسل الهرمي في فكرة فيبر – كما أشار غولدنر – ستكون هناك صراعات في السلطة عن طريق تضامن المرؤوسين لفرض القوانين على الإدارة، مثل قوانين تعيين حدود العمل، وإلغاء العمل الإضافي أو الإجراءات الصارمة الزائدة عن الحاجة. ولكن فريقاً فقط من الرؤساء أو المرؤوسين هو الذي يعتبر القوانين شرعية. وإذا أدت الطاعة إلى كسب في الوضعية لفريق واحد، فهذا يقتضي فقدان وضعية الآخر. إن الانحراف عن القوانين ال يعلل كما في بيروقراطية التمثيل، لكنه يعتبر عصيانًا مقصودًا. ووضع كهذا يستلزم مزيداً من الخلاف.

إن أنماط خصائص السلوك لهذه الأنواع الثالثة من “أنواع البيروقراطية” قد يتواجد أحدها مع الأنماط الأخرى بدرجات مختلفة في أية منظمة، وربما يكون من الأفضل وصفها بأنها “أساليب الأداء البيروقراطي”. والأسلوب المرتكز على العقاب – الذي يطبق بكثرة – يقصد به تقديم عمل منظمة فعال منسجم مع القوانين والإجراءات المعدة بشكل عقلاني، فترتكز هذه المنظمة على استخدام القوانين العامة والموضوعية، التي تقلل من التركيز على القوة الشخصية لمن بيدهم السلطة. وهذا يؤدي في المقابل إلى تخفيض حالة التوتر التي تؤثر في العالقات بين الأشخاص والتي تعزز الفعالية وتقوي من استخدام القوانين البيروقراطية الموضوعية المجردة. وهذه هي قوة البيروقراطية – كما أشار إليها فيبر.

لكن غولدنر دافع عن ذلك بأنه توجد نتائج للأداء البيروقراطي التي لم يضعها فيبر في حسبانه. فالقوانين العامة والموضوعية – نسبة لطبيعتها – تحدد ما هو غير مسموح به، وهذا يزيد معرفة الناس عن الحد الأدنى من السلوك المقبول الذي يميل ليكون السلوك المعتمد. وهذا يقلل الفعالية، ويؤدي في البيروقراطية المركزة على العقاب إلى زيادة المراقبة اللصيقة؛ للتأكد من أن القوانين قد عمل بها، وبناء على ذلك يكون هناك تركيز متزايد على السلطة وتوتر أكبر في العالقات بين الأشخاص. وهذا يؤدي لعملية الإصدار المتواصل للقوانين الموضوعية الرسمية لمعالجة النزاعات، وتبدأ الدائرة من جديد. وبالتالي فإن النتائج المتوقعة وغير المتوقعة للبيروقراطية تؤدي إلى تعزيز السلوك البيروقراطي، ففي الأساس يكون النظام غير مستقر، ويحقق أهدافه فقط على حساب عمليات التوتر والنزاع بين الأشخاص.

وهكذا فإنه يكون للقوانين تأثيرات إيجابية وسلبية معًا، ونتائج متوقعة وغير متوقعة. والهدف الكلي للقوانين هو التغلب على تأثير المراقبة اللصيقة التي تجعل الفوارق في القوة واضحة جدًا، وبذلك قد تؤذي قواعد المساواة. وبالتالي فإن القوانين تكون مساوية للأوامر المباشرة عن طريق توفير عبارة للالتزام لعمل معين وسيلتهم للتحليل. لكن في ظروف معينة قد تؤدي مجموعة غير رسمية هذه الوظيفة، وبذلك تؤدي إلى نتائج غير متوقعة من النزاع. وتوفر القوانين أيضاً طريقة موضوعية الاستخدام السلطة وسيلتهم للغربلة. وفي موازاة ذلك، تمكن القوانين من ممارسة الرقابة من بعيد الأداء الرقابي البعيد. لكن هنا أيضاً قد تكون المسافة كبيرة جدًا، الأمر الذي يؤدي إلى حالة “السخرية” من السلطة. وتشكل القوانين أيضاً تعريفاً للتوقع، مع عقوبات لعدم الأداء الأداة الشرعية للعقاب. لكن القوانين أي ًضا تحدد المعايير الدنيا، مما يتيح للأفراد العمل بمستويات متدنية وسيلة حفظهم اللامبالية. والإمكانات المختلفة في عمل القوانين تؤدي إلى الاختلاف الوظيفي في البيروقراطية.

وقد اهتم غولدنر أيضاً بتمييز وجهات نظر مختلفة بين الإداريين توضح التأثيرات التي تسببها تجاه مواقفهم من أعمالهم ومنظماتهم التي يعملون فيها، ومهنهم وزملائهم. ونشأ ذلك عن نقد آخر لفيبر، فقد رأى غولدنر أنه يوجد تناقض متأصل في البيروقراطية بين نظام السلطة المبني على الخبراء المعنيين والسلطة المبنية على التسلسل الهرمي والانضباط. وفي الحالة الأولى تنشأ شرعية السلطة من المعرفة والخبرة الأعلى التي يتمتع بها الخبير، وفي الحالة الثانية تنشأ من سلطة المنصب المشغول. وهذا يمثل تنافراً معينًا في تلك المنظمات يتطلب عددًا كبيراً من المتخصصين الذين قد يتمتعون بمعرفة فنية أكبر من رؤسائهم في التسلسل الهرمي الوظيفي. ويميز غولدنر فئتين رئيستين من الإداريين، عالميين ومحليين. والعالميون هم إداريون يكون ولاؤهم لمنظماتهم ضعيفًا، لكن التزامهم بمهاراتهم التخصصية يكون عاليًا. ويتمتعون بنظرة احترافية استشرافية قصوى. فهم – مثال – يعتبرون أنفسهم بشكل رئيس مهندسين أو محاسبين. والمحليون هم إداريون يتسمون بولاء كبير نحو منظماتهم، لكنهم يتمتعون بقدر ضعيف من المهارات التخصصية، ويعتبرون أنفسهم “أصحاب الشركة”. وبالرغم من أن المنظمات ترغب في الإبقاء على ولاء موظفيها، فتقوم بترقيتهم حسب الأقدمية، ولكنها – في الوقت نفسه – تستخدم العقلانية التي تحقق الفاعلية، فتقوم بعملية التعيين وفق المهارة والكفاءة من أي مكان يحقق لها ذلك. وهذه المعضلة المتأصلة هي سبب رئيس آخر لحالة التوتر في المنظمات الحديثة.

وقد أحدث غولدنر أنظمة ميكانيكية متغايرة مع الأنظمة الطبيعية كالمجتمعات والمؤسسات والمنظمات. والناس في الأنظمة الطبيعية ليسوا عبارة عن قشور فارغة تقيدهم الظروف التي يجدون أنفسهم فيها أثناء تشغيلهم للنظام، فهم يمتلكون أفكاراً ومقدرة على الفهم وخلق خيارات تشكل بنية المنظمة التي غالبًا ما تكون بعيدة عن مقاصد من وصفها. وحسب رأي غولدنر فإن علم الاجتماع يتمتع بدور خاص في المجتمع يقدم منهجاً تعليليًا وانتقاديًا بالنسبة للمنظمات والمؤسسات من أجل المساعدة في عملية الاستقلال الذاتي للفرد.

مسرد لأهم أعماله:

  • Gouldner, A. W., Patterns of Industrial Bureaucracy. N Y: The Free Press, 1954.
  • Gouldner, A. W., Wildcat Strike, Routledge & Kegan Paul, 1955.
  • Gouldner, A. W., Cosmopolitan and Locals: Towards an Analysis of Latent Social Roles, I, Administrative Science Quarterly I (1957), 281-306.
  • Gouldner, A. W., Organizational Analysis, in R. K. Merton Et Al. (Eds), Sociology Today, Basic Books, 1958.
  • Gouldner, Alvin, ed., Studies in Leadership. N Y: Harper & Brothers, 1950.
Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أحدث​ المقالات

في زمن تتحول فيه الأفكار إلى ثروات، والعقول إلى سلع يتم تداولها في بورصات خفية… فمن سيكون السيد الجديد لعصر الاقتصاد المعرفي؟

الاقتصاد المعرفي.. حين تصبح العقول هي الثروة الجديدة: نعيش اليوم فيما يعرف بـ «عالم الاقتصاد المعرفي»، عالم تتسارع فيه الخطى وتنقلب فيه الموازين حتى بات

تفاصيل »

النجاة في عالم إداري سريع التغير

في بيئة إدارية تتغير بسرعة غير مسبوقة، لم يعد البقاء مرهوناً بالكفاءة التقليدية وحدها، بل بقدرة المؤسسات وقادتها على التكيف السريع والابتكار المستمر، ويشهد العالم

تفاصيل »

استراتيجيات لجذب الاستثمارات وتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة

في‭ ‬بيئة‭ ‬اقتصادية‭ ‬عالمية‭ ‬تتسم‭ ‬بالتنافسية‭ ‬والتغير‭ ‬السريع،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬جذب‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الدولية‭ ‬خيارًا‭ ‬تنمويًا،‭ ‬بل‭ ‬ضرورة‭ ‬استراتيجية‭ ‬لتحقيق‭ ‬الاستدامة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وتعزيز‭ ‬مكانة‭ ‬الدول‭ ‬على‭

تفاصيل »